قال في الشرح: [الشرط الثاني: أن يكون بينه وبين الجامع فرسخ فما دون، وإن كان أبعد من فرسخ فلا جمعة عليه؛ لأن عثمان رضي الله عنه صلى صلاة العيد يوم جمعة، ثم قال لأهل العوالي: من أراد منكم أن ينصرف فلينصرف، ومن أراد أن يقيم حتى يصلي الجمعة فليقم، وروى عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الجمعة على من سمع النداء) رواه أبو داود؛ ولا يمكن اعتبار سماع حقيقة النداء؛ لأنه قد يكون ثقيل السمع، أو في مكان مستتر لا يسمع أو غير مصغٍ أو يكون النداء ضعيفاً، أو في حال هبوب الرياح، فينبغي أن يقدر بمقدار لا يختلف، والموضع الذي يسمع النداء في الغالب إذا كان المؤذن صيِّتاً في موضع عال، والرياح ساكنة، والمستمع سميعاً غير ساه هو الفرسخ أو ما قاربه فيحد به].
الشرط الثاني للجمعة: أن يكون قريباً من المسجد الجامع، فهب أن بينك وبين الجامع مسافة طويلة جداً، فإن قام المؤذن يؤذن فوق المسجد بصوته العادي فإنك لا تسمعه.
فمن الممكن أن يصل ثلاثة أو اثنين كيلو أو كيلو إلى غير ذلك، فالمهم أن العلة هنا ليست المسافة، إنما العلة هنا المشقة، كأن تكون في صحراء وبينك وبين المسجد الذي فيه جمعة مسافة طويلة ويصعب عليك أن ترحل للصلاة، فإنها تسقط عنك.
وقديماً كانوا يقيسون المسافة عن طريق النبال، فإن أهل العوالي سقطت عنهم الجمعة في المدينة؛ لأنهم يسكنون بعد العزيزية، فالمسجد النبوي يبعد عنه العوالي نحو (8) كيلو أو (10) كيلو، فمشقة عليهم أن يأتوا إلى المسجد، فشروط وجوب الجمعة أن يكون مستوطناً، وأن يكون قريباً من المسجد الذي تقام فيه الجمعة، ويستطيع أن يدرك الصلاة بدون مشقة.
ثم قال: [إلا المرأة والعبد؛ لما روى طارق بن شهاب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الجمعة حق واجب على كل مسلم إلا أربعة: مملوك أو امرأة أو صبي أو مريض)].
فالذين ليس عليهم جمعة: أولاً: المملوك العبد.
ثانياً: المرأة ليس عليها جمعة.
ثالثاً: الصبي الذي لم يبلغ.
رابعاً: المريض المعذور، فهؤلاء ليس عليهم جمعة، لكن من أراد منهم أن يصلي الجمعة فله ذلك.
فالعبد المملوك ليس عليه جمعة؛ لأنه ليس حراً.
والمسافر تسقط عنه الجمعة.
قال: [والمسافر لا تجب عليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصلها بعرفة حيث كان مسافراً، والمعذور بمطر أو مرض أو خوف، أما المعذور بمرض فلحديث طارق، وأما المعذور لمطر فلما روي عن ابن عمر قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينادي مناديه في الليلة المطيرة أو الباردة: صلوا في رحالكم) متفق عليه، والمطر الذي يعذر به هو الذي يبل الثياب؛ لأن في الخروج فيه مشقة].
أي: إذا كان هناك مطر شديد قبل الجمعة وحال بينك وبين الوصول إلى المسجد سقطت عنك الجمعة، كذلك إذا كان لمرض أو لسفر أو لخوف كما سنبين.
فهؤلاء الذين تسقط عنهم الجمعة: الصبي، والمرأة، والمملوك، والمريض، والمسافر، وفي حالة المطر الشديد، وفي حالة الخوف الشديد.
قال: [أما الخوف فلما روى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من سمع النداء فلم يمنعه من اتباعه عذر، قيل: وما العذر يا رسول الله؟ قال: خوف أو مرض لم يقبل الله الصلاة التي صلى).
والخوف ثلاثة أنواع: أحدهما: الخوف على المال من سلطان أو لص، أو يكون له خبز في تنور، أو طبيخ على النار يخاف أن يحرق وما أشبه ذلك، فهذا كله عذر عن الجمعة].
هب أن رجلاً يعمل في مخبز، ولا يستطيع أن يمتنع عن إعداد الخبز في ساعة الجمعة، نقول له: تسقط عنك الجمعة، لكن الآن من الممكن أن يقفل البوتجاز ويذهب، أما في القديم فكانوا لا يستطيعون، وليست العلة هنا، وإنما العلة معناها: من كان له عذر لا يمكنه أن يؤجله، مثال ذلك: طالب في الجامعة معه امتحان في الساعة الثانية عشرة، وصلاة الجمعة في الساعة الواحدة، فمن المستحيل أن يقول: أوقفوا اللجنة حتى أصلي الجمعة.
إذاً: تسقط عنه الجمعة.
كذلك مريض يقوم بإجراء عملية جراحية عند صلاة الجمعة، فإن الجمعة تسقط عنه إلى غير ذلك من أعذار لا يملك المكلف معها شيئاً.
قال: [مثل أن يخاف من سلطان يأخذه أو عدو أو سبع أو سيل لذلك، الثالث: الخوف على ولده وأهله أن يضيعوا، أو يكون ولده ضائعاً ويرجو وجوده في تلك الحال، فيعذر بذلك لأنه خوف]؛ ولذلك قالوا: المحبوس لا جمعة عليه؛ لأنه مقيد الإرادة.
يقول: [وإن حضروها أجزأتهم]، أي: إن حضر الصبي والمرأة والخائف والمسافر والمريض والعبد الجمعة أجزأتهم؛ [لأن سقوطها عنهم كان رخصة، فإذا تكلفوا فعلها أجزأتهم، كالمريض يتكلف الصلاة قائماً، ولم تنعقد بهم؛ لأنهم من غير أهل الوجوب، فلم تنعقد بهم كالنساء، إلا المعذور إذا حضرها وجبت عليه وانعقدت به؛ لأن سقطوها كان لدفع المشقة، فإذا حضر زالت المشقة؛ فوجبت عليه وانعقدت به].
هناك فرق بين من سقطت عنهم الج