قال المؤلف رحمه الله تعالى: المريض من أهل الأعذار والرخص، وله كيفية خاصة للصلاة: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج:78].
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب: صلاة المريض.
والمريض إذا كان القيام يزيد في المرض صلى جالساً، فإن لم يطق فعلى جنبه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لـ عمران بن حصين: (صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنبك) فإن شق عليه فعلى ظهره، فإن عجز عن الركوع والسجود أومأ إيماءً، وعليه قضاء ما فاته من الصلوات في إغمائه.
وإن شق عليه فعل كل صلاة في وقتها، فله الجمع بين الظهر والعصر، وبين العشاءين في وقت إحداهما، فإن جمع في وقت الأولى اشترط نية الجمع عند فعلها، ويعتبر استمرار العذر حتى يشرع في الثانية منهما، ولا يفرق بينهما إلا بقدر الوضوء، وإن أخر اعتبر استمرار العذر إلى دخول وقت الثانية، وأن ينوي الجمع في وقت الأولى قبل أن يضيق عن فعلها، ويجوز الجمع للمسافر الذي له القصر، ويجوز في المطر بين العشاءين].
انتهى! هذا باب صلاة المريض، ثم صلاة المسافر، ثم صلاة الجمعة، ثم صلاة العيدين والخوف، وننتهي من كتاب الصلاة، ثم ننتقل إلى كتاب الجنائز، ثم إلى كتاب الزكاة، ثم إلى كتاب الصوم، ثم إلى كتاب الحج والعمرة إن شاء الله عز وجل.
بالنسبة لصلاة المريض إن كان عاجزاً عن القيام فهناك قاعدة مهمة جداً في الفقه، وهي: أن تحصل من الواجبات ما تستطيع، مثال ذلك: رجل لا يستطيع أن يسجد على الأرض لألم في ظهره، نقول له: قم واركع، وعند السجود أومئ برأسك فقط.
حصل من الواجبات ما تستطيع، حصلت القيام وحصلت الركوع، وأنت عاجز عن السجود؛ فأومئ برأسك في السجود، لكن البعض الآن عاجز عن السجود فيجلس ويهدر أركاناً كثيرة، ونقول: حَصِّل من الواجبات ما تستطيع، وقد يكون مصاباً بجرح فيربط على مكان الجرح في حال غسل الجنابة، ويمسح عليه ويعمم الجسد بالماء إلا هذا الموضع؛ فيحَصِّل من الواجبات ما يستطيع.
قال في الشرح: (صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً).
قلنا: القيام مع القدرة ركن من أركان الصلاة في الفرض، فإن صلى جالساً في الفرض مع قدرته بطلت الصلاة، وإني أرى الكثير يتحرك ويذهب إلى المخبز ويأتي بخبز ويذهب إلى عمله، فإذا جاءت الصلاة جلس وقال: أنا متعب.
طيب! يا عبد الله! أنت تتحرك بصفة طبيعية، إذاً: لا يجوز لك أن تجلس إلا إذا كنت عاجزاً عن القيام، فالجلوس مع القدرة يبطل الصلاة، بعكس النافلة.
قلت: (فإن لم تستطع فقاعداً)، والقعود هنا عكس القيام، والجلوس عكس الاتكاء؛ لأن الله قال: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا} [آل عمران:191].
وفي الحديث الآخر: (كان النبي صلى الله عليه وسلم متكئاً فجلس وقال: ألا وقول الزور)، فالجلوس يكون من اتكاء، والقعود يكون من قيام، فالتعبير الصحيح: (صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً)، والبعض يقعد بالافتراش، والصواب أن يجلس متربعاً، ثم يومئ برأسه عند الركوع، ثم يسجد على الأرض إن استطاع، وإن لم يستطع يومئ.
قال: (فإن لم تستطع فعلى جنبك)، الأول: قائماً، والثاني: قاعداً، ثم على جنب، والجنب متجه إلى القبلة، يستقبل بوجهه القبلة وهو على جنبه، وأجمعوا على أن من لم يطق القيام فرض عليه أن يصلي قاعداً، فإذا شق عليه -يعني: الصلاة على جنبه- صلى على ظهره، ووجهه ورجلاه إلى القبلة؛ لأن ذلك أسهل عليه.
مثال ذلك: رجل يشق عليه أن يصلي على جنبه، يجعل القدمين إلى القبلة، ويستلقي على ظهره مستقبل القبلة، بحيث إذا اعتدل قام إلى القبلة، وهذه طريقة أخرى.
ولذلك قلت: هناك خلاف بالنسبة للقبر، هل الميت يوجه إلى القبلة هكذا، يعني: وجهه إلى القبلة، أم ينام بحيث تكون رجلاه إلى القبلة وهو على ظهره، بحيث لو قام كالنائم تماماً، الحالتان هنا ثابتتان.
قال: (فإن عجز عن الركوع والسجود أومأ بهما)، يعني: وإيماء الركوع يكون أعلى من إيماء السجود؛ اعتباراً بأصلهما.
قال: (وعليه قضاء ما فاته من الصلوات في إغمائه) كالنائم، ثم يقضي ما فاته من صلوات، بمعنى: رجل يغيب عن الوعي مدة طويلة، فغاب عن الوعي من الظهر إلى العشاء، ثم فاق بعد العشاء، فإنه يصلي ما فاته بالترتيب؛ لأنه مكلف منذ لحظة رجوع العقل، وإذا غاب العقل سقط التكليف؛ لذلك هناك خلاف بين العلماء في حكم صلاة السكران، رجل شرب الخمر بإرادته، وأخذت بعقله؛ فقال لزوجته: أنت طالق، ما حكم صلاته؟ هنا اختلف العلماء: فمن العلماء من قال: يقع عقوبة له؛ لأنه تناول الخمر بإرادته.
وشيخ الإسلام ابن تيمية يقول: لا يقع؛ لأن العقل مناط التكليف، وإثم الخمر مسألة، ووقوع الطلاق مسألة أخرى، وهو لم يرد الطلاق.
كذلك يقول: إن الطلاق يتعدى إلى الغير، أي: أن ضرره يتعدى للزوجة، فما ذنب الزوجة أن تطلق والزوج سكران؟! فـ شيخ الإسلام يدافع عن تلك القضية فيقول: لا يقع طلاق السكران حتى