قال المصنف رحمه الله تعالى: [والموجب له-يعني: ما يوجب الغسل- خروج المني وهو الماء الدافق بلذة].
ما يجب له الغسل: أولاً: خروج المني، وضابطه أن يكون بلذة، يعني: بشهوة، والضابط الثاني: يقظة، فإن خرج المني بغير شهوة مناماً فعليه غسل، إذاً: ضابط الفقهاء حينما يقولون: خروج المني بشهوة يقصدون به: أن يخرج المني بشهوة في حال اليقظة، لكن إن خرج بغير شهوة في اليقظة هل يوجب الغسل أم لا؟ في الأثر -وإن كان ضعيفاً عند بعض العلماء إلا أنه يبين المعنى-: أن رجلاً دخل المسجد يوماً فقال للحضور: أفيكم مفتٍ؟ قالوا: سل، فقال: إني أجد الماء بعد الماء كلما تبولت؟ فقالوا له: الذي منه الولد؟ قال: الذي منه الولد، قالوا جميعاً: لا نرى لك إلا أنه يجب عليك الغسل، ففي هذه الحال كلما تبول الرجل اغتسل، وكان ابن عباس يصلي فسمع الرجل وسمع الإجابة، فعجل في صلاته ونادى الرجل، وقال له: أتجد شهوة في فرجك؟ قال: لا، قال: أتجد خدراً في جسدك؟ قال: لا، قال: إنما هي بردة -يعني: برد أصابك- يكفيك منه الوضوء وأن تغسل المذاكير، ثم قال الكلمة المعروفة: لفقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد.
فلا بد أن تعلم أن خروج المني في حال اليقظة لا بد أن يكون بشهوة، فإن كان لسبب مرضي فلا يوجب الغسل.
والمني قال الله في حقه: {فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} [الطارق:5 - 7].
جاءت أم سليم إلى النبي عليه الصلاة والسلام فقالت: (يا رسول الله! إن الله لا يستحيي من الحق، هل على المرأة غسل إذا هي احتلمت؟) يعني: إذا رأت في نومها ما رأت ثم احتلمت هل عليها غسل؟ فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (نعم.
إذا رأت الماء)، فعلق الغسل على رؤية الماء، فإذا رأت الماء وجب عليها الغسل.
فأول موجب للغسل هو خروج المني بشهوة في حال اليقظة أو حال المنام، إلا أنه في حال اليقظة يشترط أن يكون بشهوة، وفي حال المنام إذا رأت الماء.
فإذا لم يتذكر حلماً في منامه، ورأى ماء أو وجد بللاً في سراويله فعليه الغسل، وإن تذكر أنه رأى في منامه شيئاً، لكنه لم يجد بللاً فليس عليه غسل؛ لأن العلة هنا هي وجود الماء: (نعم.
إذا رأت الماء) فإذا رأى الماء فيجب أن يغتسل، وفي الحديث أن أم سلمة قالت: (أو تحتلم المرأة يا رسول الله! فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: تربت يداك يا أم سلمة! ففيم يشبهها ولدها؟ إذا علا ماءُ الرجل ماء المرأة ذكر بإن الله، وإذا علا ماء المرأة ماء الرجل أنث بإذن الله).
وقد يقول قائل: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل من جنابته بعد الفجر.
و صلى الله عليه وسلم أن غسل النبي صلى الله عليه وسلم من الجنابة لا يكون إلا من الجماع، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لا يحتلم؛ لأنه ليس للشيطان عليه سبيل، فلم يغتسل من احتلام أبداً صلى الله عليه وسلم إنما غسله كان من جماع، والاحتلام من الشيطان، وقد قال لـ عائشة حينما سألته: (أو لك شيطان يا رسول الله؟! قال: نعم.
إلا أن الله أعانني عليه فأسلم)، صلى الله عليه وسلم.
وحديث أم سليم هذا متفق عليه.
قالت: (يا رسول الله! إن الله لا يستحيي من الحق)، وهناك عبارة تدور على ألسنة البعض وهي غير صحيحة، وهي قولهم: (لا حياء في الدين) وهذا خطأ، فإن الدين كله حياء، و (الحياء من الإيمان) كما قال النبي عليه الصلاة والسلام.
فجملة (لا حياء في الدين) كلمة خاطئة، ولكن قل: لا استحياء في التعلم، أو لا حياء في العلم، أي: لا حياء في طلبه.