والغاصب يتحمل كل شيء وزيادة، فلو اغتصب أرضاً وطرد صاحبها منها وزرعها فعليه في الشرع قلع الزرع، ومؤنة الخلع، وتسوية الأرض على نفقته، وغرامة ما أحدث في الأرض من ضرر، وأرش نقصها في مدة زراعتها، وإيجارها في هذه المدة.
فنحن في الشرع نؤدب الغاصب.
هذه قاعدة.
وهناك غصب لشيء مشروع وغصب لشيء غير مشروع.
فلو تملك رجل كلباً ليس للحراسة فقام شخص وأتلفه فلا يلزمه الضمان؛ لأن الكلب مهدر، ولو كان كلب حراسة للزمه الضمان، فهناك فرق بين كلب الحراسة والكلب العام، فالكلب العام لا يجوز اقتناؤه.
ولو أن رجلاً ذمياً شرب كأس خمر فجاء رجل مسلم وكسر الكأس بما فيه -لأن الخمر حرام- للزمه الضمان؛ لأن الخمر ليست حراماً في شرع الذمي، وإنما هي حرام في شرعنا، والخمر لم تحرّم إلا على المسلمين.
وإذا أتلف خمر المحارب فلا يلزمه الضمان؛ لأن دم المحارب مهدر.
والذي يتلف هذا المال هو الذي بيده التغيير، فلا يذهب أحد إلى محارب يراه يشرب الخمر ويكسر عليه كأس الخمر؛ لأنه لا يستطيع ذلك.
ولو لبس رجل من أهل الكتاب صليباً وأظهره على صدره وسار به في الطرقات فإذا جذبه ولي الأمر وأتلف الصليب لزمه الضمان إن كان الصليب داخل الملابس، فإذا أظهره وأتلفه ولي الأمر فليس عليه الضمان.
قال المصنف رحمه الله: [ومن غصب شيئاً فعليه رده]، أي: أنك إذا أخذت المال بالغصب لزمك الرد.
قال المصنف رحمه الله: [لقوله عليه الصلاة والسلام: (على اليد ما أخذت حتى تؤدي).
أبو داود.
وعليه أجرة مثله مدة مقامه في يده؛ لأنه فوت عليه منفعته، والمنافع لها قيمة، فيضمنها كالأعيان].
فإذا غصبك أحد جهاز التسجيل وظل عنده شهراً فيلزمه رده وإيجار الشهر.
ثانياً: لو كان قيمة جهاز التسجيل يوم أخذ بخمسمائة جنيه واليوم بثلاثمائة فيلزم الغاصب الفرق، فالزيادة لصاحب الحق وليست للغاصب.
وإذا غصبك شاة وكانت حاملاً فوضعت حملها عند الغاصب فعليه أن يرجعها بزيادتها، وإذا أنفق عليها الغاصب فإنها تعود بلحمها وشحمها ولا حق للغاصب.
فأي غاصب يأخذ المال بغير وجه حق يلزم برده، وليس له فيه أي حق.
قال المؤلف رحمه الله: [وإن نقص فعليه أرش نقصه؛ لأنه يلزمه ضمان جميع المغصوب لو تلف، فيلزمه ضمان بعضه بقيمته قياساً للبعض على الكل].
أي: أنه إن نقص المال المغصوب عند الغاصب فيلزم الغاصب رد النقص أو أرشه.
فإذا أخذ شخص كتاباً غصباً وظل عنده شهراً كاملاً فقُطعت منه ورقة ثم رفع الأمر إلى ولي الأمر فإن الواجب على الغاصب تجاه المغصوب أن يرد الكتاب، وأن يلتزم بالنقص الذي طرأ على الكتاب، ويثمّن بعد القطع والنقص ويدفع الغاصب الفرق.
فالأرش: هو الفرق بين قيمته جديداً وقيمته مستعملاً.
ثم يدفع إيجاره في الشهر.
فيلتزم الغاصب بثلاثة أمور: أولاً: رد الكتاب.
ثانياً: أرش النقص أو أرش الفرق.
ثالثاً: الإيجار كما لو كان قد أُجِّر.
وأرش الفرق أي: الفرق بين قيمته يوم الغصب ويوم الرد.