الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد: قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: المسابقة.
تجوز المسابقة بغير جعل في الأشياء كلها].
الأصل في المسابقة الجواز، وقوله: (في الأشياء كلها)، يقصد الأشياء المباحة، أما السباق في الأشياء المحرمة فلا يجوز بجعل أو بغير جعل؛ لذلك قسم العلامة ابن عثيمين رحمه الله السباق إلى ثلاثة أقسام: أولاً: سباق لا يجوز بعوض ولا بغير عوض، يعني: لا يجوز بجعل ولا بغير جعل وهو السباق المحرم، كأن ندخل في سباق في لعب الكتشينة بجعل أو بغير جعل فهذا حرام؛ لأن أصل السباق حرام.
ثانياً: يجوز بعوض وغيره.
ثالثاً: يجوز بلا جعل ولا يجوز بجعل.
أي: أن الشارع الحكيم أجاز السباق، لكن بغير عوض، ومن هنا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا سبق إلا في ثلاث) والمقصود: لا سبق بجعل (إلا في ثلاث: حافر وخف ونصل) والمعنى: لا سبق بجعل إلا في هذه الأشياء الثلاثة، أما ما سواها فيجوز فيها السباق بغير جعل كأن يسابق الرجل زوجته، والنبي صلى الله عليه وسلم سابق عائشة، فسبقها مرة وسبقته مرة عليه الصلاة والسلام.
والجعل: هو المقابل لا كما يفعل البعض في المقاهي العامة، يلعبون الطاولة، والمغلوب يحاسب على الغالب، فهذه المسابقة حرام بجعل، وحتى ولو كانت بغير جعل فهي حرام.
قال: [الدواب والأقدام والسفن والمزاريق وغيرها].
فهذه فيها مسابقة، ومعنى مسابقة الدواب: بعيري وبعيرك يتسابقان، وخروفي وخروفك يتسابقان، فكل ما يدب على الأرض من بهيمة الأنعام يجوز أن يتسابقا.
الأقدام: مسابقة المشي والجري يجوز أيضاً، لكن مسابقة الجري لم يرد في الحديث جعل لها، يعني: يتسابقان بغير جعل من أحد المتسابقين، وإذا كان الجعل من غير المتسابقين جاز، فإن قلت: أنت يا فلان! وأنت يا فلان! تسابقا جرياً، والسابق منكما له عندي جائزة، فالمتسابق لم يدخل في طرف؛ لأن الجائزة جاءت في طرف محايد، والسباق على الأقدام يجوز شريطة ألا يخالف الشرع، فنحن نرى البعض يلبس الشورت القصير جداً ويظهر الفخذ وهذا لا يجوز، أو مسابقة جري للنساء، فتجد المرأة عريانة وتجري! ويصرخون: العداءة المغربية! فهذه المسابقة في أصلها حلال، لكنها حرام لغيرها.
فصفة اللباس التي تلبسه جعلت السباق حراماً، والسباق على الأقدام لا بد أن يكون بغير جعل، إلا إذا كان الجعل من طرف محايد؛ لأن المنهي عنه هو المقامرة، وهو أن يكون أحدهما له مغرم ومغنم، وهذا لا يجوز.
قال: [والسفن -فيها مسابقة- والمزاليق -فيها مسابقة- لما روى ابن عمر: (أن النبي صلى الله عليه وسلم سابق بين الخيل من الحفياء إلى ثنية الوداع، وبين التي لم تضمر من ثنية الوداع إلى مسجد بني زريق) متفق عليه].
يعني: النبي عليه الصلاة والسلام سابق بين خيول الصدقة من الحفياء إلى ثنية الوداع، والحفياء: مكان في المدينة، وثنية الوداع أيضاً: مكان في المدينة.
وأخرج البخاري هذا الحديث في باب: أن يقال: مسجد بني فلان، مسجد بني زريق، فإنه يجوز أن يحمل المسجد اسم حي أو اسم عائلة.
قال: [وسابق النبي صلى الله عليه وسلم عائشة على قدميه].
يعني: سابق زوجته، فمرة سبقها ومرة سبقته.
قال: [وسابق سلمة بن الأكوع رجلاً من الأنصار، بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومر النبي صلى الله عليه وسلم على قوم يربعون حجراً -أي: يرفعونه ليعلم الشديد منهم- فلم ينكر عليهم].
فمسابقة رفع الأثقال جائزة، لكن بغير جعل من المتسابقين وبالزي الشرعي.