مقتطفات في الكرم وأهله

وأول من أكرم الضيف إبراهيم عليه السلام.

يقول ابن حجر: ماله للضيفان وجسده للنيران وولده للقربان، فاستحق أن يكسى عند الواحد الديان، ولما دخلت عليه الملائكة أراد ضيافتهم، قال تعالى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلامًا قَالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنكَرُونَ} [الذاريات:24 - 25]، يعني: لا يعرفهم: {فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ} [الذاريات:26] يعني: مال إلى زوجته: {فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ} [الذاريات:26]، انظر إلى كرم إبراهيم، ملائكة في صورة بشر يأتي لهم بعجل، قال تعالى: {فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ * فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ} [الذاريات:26 - 27] يقول ابن مفلح: ومن باب إكرام الضيف أن تقرب له الطعام وألا تستخدمه في خدمة الطعام، ومعناه: أنك تقرب الطعام حيث يجلس، كما قال تعالى: ((فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ)) من الآية، ومن باب إهانة الضيف أن تقول له: اغسل الملعقة لو سمحت! ناولني هذا الطبق وتستخدم الضيف، وليس من أدب الضيافة أن تستخدم الضيف في الخدمة.

قال تعالى: {فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلا تَأْكُلُونَ} [الذاريات:27] حينما ينزل بي رجل الساعة الثالثة ظهراً فربما يكون تغدى وربما لم يتغد؟ وقد يكون أتى من سفر، سافر صباحاً وأتى إلي عصراً، فأغلب الظن أنه لم يتغد، فمباشرة أدخل إلى الزوجة، وأحضر الطعام المتاح عندي وأقربه لهذا الضيف، أما أن أسأله: أيريد غداء أو شراباً فهذا من باب البخل، وفي سورة الكهف قال تعالى: {فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا} [الكهف:77]، ضيف مسافر متعب يطلب الطعام: ((فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا))، يعني: رفضوا رفضاً قاطعاً، وعلى ما يبدو أن المرأة منهم كانت ترضع الولد البخل كما ترضعه اللبن، قال تعالى: {فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا} [الكهف:77].

أقول: هؤلاء القوم لم يقروا الصحابة، وليس هذا دأب العرب، فقد كان العرب قبل البعثة يوصفون بالكرم وأي كرم، حتى إن حاتماً الطائي كان يشعل ناراً في الصحراء، فيراها عابر السبيل فيأتي إليها ويقدم له الطعام، فمعنى هذا: أنه كان يحب إكرام الضيف، فقد جاء في ترجمته: أنه أراد أن يختبر خلق رجل من العرب، فجاء الرجل إلى حاتم الطائي وقال له: يا حاتم! أطعمني -فـ حاتم يعرفه، وهو يعرف حاتماً - فقال: انصرف فليس عندي طعام، فانصرف الرجل بعد أن نهره حاتم، ثم تلثم حاتم، وقابل الرجل من طريق آخر، قال: من أين أنت قادم يا أخا العرب؟! قال: من عند حاتم الطائي.

قال: أأكرمك؟ قال: أكرمني وقدم لي الطعام وأفاض علي من الخير، فرفع اللثام وقال: يا رجل! أنا حاتم ولم أقدم لك شيئاً فلم تكذب؟ قال: يا حاتم! إن قلت للناس: إنك لم تكرمني لن يصدقني أحد.

فـ حاتم الطائي وغيره من العرب كانوا يوصفون بالكرم، لكن هذا الحي كان على غير هذه العادة، ولذلك في الحديث: (فلم يقروهم) والحافظ ابن أبي الدنيا له كتاب في قرى الضيف، يعني: إكرام الضيف.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015