قال: [وليس للوكيل توكيل غيره، وذلك أن الوكيل لا يخلو من ثلاثة أحوال: أحدها: أن ينهاه الموكل عن التوكيل، فلا يجوز له ذلك رواية واحدة]، يعني: إذا نهاني الموكل عن التوكيل وكتبت في التوكيل: وليس له الحق في أن يوكل غيره في كل ما ذكر، فلا يجوز له أن يوكل؛ لأنه نهاني عن توكيل غيري.
قال: [وإن أذن له في التوكيل فيجوز له رواية واحدة؛ لأنه عقد أذن له فيه فكان له ذلك، كما لو أذن له في البيع، ولا نعلم في هذين خلافاً]، إما أن ينهاه وإما أن يأذن له.
هذه الروايات لا خلاف فيها بين العلماء.
لكن الخلاف في النوع الثالث: لو أطلق الوكالة، لم يأمر ولم ينه، ففي هذه الحالة قال: [فلا يخلو من ثلاثة أحوال: أحدها: أن يكون العمل مما يرتفع الوكيل عن مثله، كالأعمال الدنيئة في حق أشراف الناس المرتفعين عن فعلها، فإنه يجوز له التوكيل فيها؛ لأنها إذا كانت مما لا يفعله الوكيل لنفسه عادة انصرف الإذن إلى ما جرت به العادة من الاستنابة فيه]، بمعنى: وكلتك في بيع سيارة بطيخ، وأنت عالم تصعد المنابر هل يليق بالعالم أن يبيع البطيخ؟ لا.
فطبيعة هذا العمل تتنافى مع عمل العالم، العرف يقول: ليس من عمله بيع البطيخ، فإذاً في هذه الحالة له أن يوكل غيره حتى ولو لم ينص، طالما أن الأعمال الدنيئة لا تليق بصاحب التوكيل، إذاً: طالما أن العرف يتنافى مع طبيعة العمل فيجوز له أن يوكل غيره.
الحال الثاني: [أن يكون عمل لا يرتفع عن مثله إلا أنه عمل كثير لا يقدر الوكيل على فعله جميعه؛ فإنه يجوز له التوكيل].
مثلاً: وكلني في هدم عمارة مكونة من عشرة طوابق وإزالتها حتى سطح الأرض، فهنا لا بد أن أوكل غيري؛ لأن هذا العمل أنا لا أطيقه، ولا بد أن أوكل غيري؛ لأن الوكالة هنا انصبت على عمل ليس في طاقتي.
الحال الثالث: [أن يكون مما لا يرتفع عنه الوكيل ويمكنه عمله بنفسه فليس له أن يوكل فيه؛ لأنه لم يأذن في التوكيل ولا تضمنه إذنه، فلم يجز كما لو نهاه عنه].
بمعنى: أن التوكيل مطلق، والعمل في طاقتي، والعمل في عرف الناس يناسبني، في هذه الحالة ليس لي أن أوكل.
إذاً: نحن أمام ثلاثة أحوال: إذا أذن له بتوكيل غيره فيجوز باتفاق، وإذا نهاه عن توكيل غيره فيمتنع باتفاق، وإذا أطلق الوكالة فنحن أمام ثلاثة احتمالات: الاحتمال الأول: أن يكون العمل من الأعمال الدنيئة التي لا تناسب الموكل، كأن أقول: وكلتك في بيع هذا اللبن صباحاً، على أن تحمله وتمشي وتقول: من يشتري اللبن؟ فله أن يوكل من يبيع اللبن؛ لأن هذا لا يناسب طبيعته، والله سبحانه وتعالى يريد منا أن ننزل الناس منازلهم.
الاحتمال الثاني: ألا يكون في طاقته.
الاحتمال الثالث: أن يكون في طاقته وليس من الأعمال الدنيئة، فليس له أن يوكل غيره.