قال المصنف رحمه الله تعالى: [فصل في أخلاقه صلى الله عليه وسلم.
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشجع الناس.
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (كنا إذا احمر البأس، ولقي القوم القوم اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم).
وكان أسخى الناس، ما سئل شيئًا قط، فقال: لا.
وكان أحلم الناس] إلا أن أوج سخائه كان يظهر في رمضان إذا لقيه جبريل.
[وكان أحلم الناس، وكان أشد حياءً من العذراء في خدرها، لا يثبت بصره في وجه أحد، وكان لا ينتقم لنفسه، ولا يغضب لها، إلا أن تنتهك حرمات الله، فيكون لله ينتقم.
وإذا غضب لله لم يقم لغضبه أحد، والقريب والبعيد والقوي والضعيف عنده في الحق واحد].
وهذا أمر لا خلاف فيه، فالله جل وعلا زكى بصره وزكى قلبه وزكى لسانه وزكى خلقه، زكى الله لسانه فقال: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم:3]، وزكى الله قلبه فقال: {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} [النجم:11]، وزكى الله بصره فقال: {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى} [النجم:17]، وزكى الله خلقه فقال: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4] وهذه مجملة، وجاء تفصيلها في آيات أخر.
[ما عاب طعامًا قط، إن اشتهاه أكله، وإن لم يشتهه تركه، ولا يأكل على خوان] الخوان المائدة التي يوضع عليها الطعام، ويعبر عنها أحياناً بالطاولة.
قال أنس رضي الله عنه كما في الصحيح: (ما أكل النبي صلى الله عليه وسلم على خوان قط).
[ولا يمتنع من مباح، إن وجد تمراً أكله، وإن وجد خبزاً أكله، وإن وجد شواءً أكله].
وهذا يدل على عدم التكلف، فقد كان لا يرد موجوداً، ولا يطلب مفقوداً.
[إن وجد خبز بر أو شعير أكله، وإن وجد لبن اكتفى به، أكل البطيخ بالرطب] المقصود بالبطيخ هنا الخربز، فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه أكل البطيخ بالخربز، وقالت عائشة: أكل البطيخ الأصفر بالخربز، وجاءت رواية ثالثة: أكل الخربز بالرطب، وهذا حديث أنس: (أكل الخربز بالرطب)، لماذا جمع بين الخربز والرطب؟ لأن الرطب حار، والبطيخ بارد، وقال صلى الله عليه وسلم: (نكسر حر هذا ببرد هذا وبرد هذا بحر هذا).
[(وكان يحب الحلواء والعسل)، قال أبو هريرة رضي الله عنه: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الدنيا ولم يشبع من خبز الشعير)، وكان يأتي على آل محمد الشهر والشهران لا يوقد في بيت من بيوته نار، وكان قوتهم التمر والماء.
يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة].
هو وآل بيته لا يأكلون الصدقة، وكان إذا أخذ هدية يكافئ عليها، وأغلب أحواله أن يرد الهدية بأكثر منها.
[يأكل الهدية، ولا يأكل الصدقة، ويكافئ على الهدية، ولا يتأنق في مأكل ولا ملبس، يأكل ما وجد، ويلبس ما وجد.
وكان يخصف النعل، ويرقع الثوب، ويخدم في مهنة أهله، ويعود المرضى، وكان أشد الناس تواضعًا، يجيب من دعاه من غني أو فقير أو دنيء أو شريف] لا يفرق.
[وكان يحب المساكين، ويشهد جنائزهم، ويعود مرضاهم، لا يحتقر فقيراً لفقره، ولا يهاب ملكاً لملكه، وكان يركب الفرس والبعير والحمار والبغلة] هذا كله دليل على عدم التكلف.
[ويردف خلفه عبده أو غيره، لا يدع أحداً يمشي خلفه، ويقول (خلوا ظهري للملائكة)، ويلبس الصوف وينتعل المخصوف، وكان أحب اللباس إليه الحبرة] الحبرة الثياب المعلمة ذات الخطوط وهي من برود اليمن فيها حمرة وبياض.
[خاتمه فضة، فصه منه، يلبسه في خنصره الأيمن، وربما لبسه في الأيسر، وكان يعصب على بطنه الحجر من الجوع، وقد آتاه الله مفاتيح خزائن الأرض كلها فأبى أن يأخذها واختار الآخرة عليها.
وكان يكثر الذكر، ويقل اللغو، ويطيل الصلاة، ويقصر الخطبة، أكثر الناس تبسمًا، وأحسنهم بشراً، مع أنه كان متواصل الأحزان دائم الفكر، وكان يحب الطيب، ويكره الريح الكريهة، يستألف أهل الشرف، ويكرم أهل الفضل، ولا يطوي بشره عن أحد، ولا يجفو عليه.
يرى اللعب المباح فلا ينكره، يمزح ولا يقول إلا حقاً، ويقبل معذرة المعتذر إليه.
له عبيد وإماء، لا يرتفع عليهم في مأكل ولا ملبس، ولا يمضي له وقت في غير عمل لله أو فيما لابد له ولأهله منه، رعى الغنم، وقال: (ما من نبي إلا وقد رعاه).
(وسئلت عائشة رضي الله عنها عن خُلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: كان خُلقه القرآن).
يغضب لغضبه، ويرضى لرضاه.
وصح عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (ما مسست ديباجاً ولا حريراً ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا شممت رائحة قط كانت أطيب من رائحة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقد خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين، فما قال لي: أف قط، ولا لشيء فعلته: لم فعلت كذا؟ ولا لشيء لم أفعله: ألا فعلت كذا وكذا؟).
قد جمع الله له كمال الأخلاق، ومحاسن الأفعال، وآتاه الله علم الأولين والآخرين، وما فيه النجاة والفوز، وهو أمي لا يقرأ ولا يكتب، ولا معلم له من البشر، نشأ في بلاد الجهل والصحاري، آتاه الله ما لم يؤت أحداً من العالمين، واختاره على جميع الأولين والآخرين، فصلوات الله عليه دائمة إلى يوم الدين].
هذا كله ظاهر.