الحمد لله الذي لا رب غيره، ولا إله سواه، والصلاة والسلام على عبده ونبيه ومصطفاه.
أما بعد: فهذا بعون الله تعالى خاتمة دروس التعليقات على متن الدرة المضيئة في السيرة النبوية للحافظ المقدسي رحمه الله تعالى.
وسنشرع اليوم إن شاء الله تعالى في ختم الكتاب وإتمامه، وقد يقول قائل: كيف يُدرَّس في يوم واحد ما درِّس قرابته في أسبوع كامل؟ فحتى يزل اللبس نقول: إن المتبقي من الكتاب أكثره يتعلق بالعشرة المبشرين رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، وأما ما يتعلق بصفته صلى الله عليه وسلم فهذا سنقف عنده كثيراً، على أننا اليوم إن شاء الله سنغير في الطريقة، ونعتذر للأخ الذي يقرأ، فسأقرأ أنا حتى لا يذهب الوقت، سأقرأ بنفسي ثم نعلق تعليقات ذات فائدة، ونطالب بتدوينها.
فنقول مستعينين بالله تبارك وتعالى: وصلنا إلى ذكر سلاحه صلى الله عليه وسلم، قال المصنف رحمه الله: [وكانت له ثلاثة رماح أصابها من سلاح بني قيقناع، وثلاثة قسي؛ قوس اسمها الروحاء، وقوس شوحط، وقوس وصفراء تدعى الصفراء، وكان له ترس فيه تمثال رأس كبش فكره مكانه فأصبح وقد أذهبه الله عز وجل، وكان سيفه ذو الفقار تنفله يوم بدر، وهو الذي رأى فيه رؤيا يوم أحد، وكان لـ منبه بن الحجاج السهي.
وأصاب من سلاح بني قينقاع ثلاثة أسياف: سيف قلعي، وسيف يدعى بتاراً، وسيف يدعى الحتف.
وكان عنده بعد ذلك المخذم ورسوب أصابها من الغلس، وهو صنم بطيء.
وقال أنس بن مالك: كان نعل سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم فضة، وقبيعته فضة، وما بين ذلك حلق فضة.
وأصاب من سلاح بني قينقاع درعين، درع يقال لها: السعدية، ودرع يقال لها: فضة.
وروي عن محمد بن سلمة قال: رأيت على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد درعين: درعه ذات الفضول، ودرعه فضة، ورأيت عليه يوم خيبر درعين: ذات الفضول والسعدية].
النبي عليه الصلاة والسلام كان إمام المجاهدين, ولا يمكن أن يكون إمام المجاهدين حتى يكون لديه سلاح، وهذه الأسلحة التي ذكرت ونقلت عنه صلى الله عليه وسلم نقلت بأسانيد، منها ما هو صحيح، ومنها ما هو دون ذلك، لكنها جملة قبلت عند العلماء وتناقلوها، هذا الفكرة الأولى في الموضوع.
وسيفه ذو الفقار كان لا يكاد يفارقه صلى الله عليه وسلم، بمعنى: أنه كان يحمله كثيراً، ولذلك قال المصنف: وهو الذي رأى فيه الرؤيا يوم أحد، أي: قبل معركة أحد رأى النبي صلى الله عليه وسلم في هذا السيف ثلمة يعني: شبه كسرة.
وسيف الإنسان هو الذي يدفع به عن نفسه، فأول بأنه قتل أحد عصبته، وكان ذلك مقتل حمزة بن عبد المطلب رضي الله تعالى عنه وأرضاه شهيداً.
وقد بقراً تنحر، وأول هذا بموت في أصحابه.
وقد كان له صلى الله عليه وسلم يقال له: مأثور ورثه عن أبيه، بمعنى: أن النبي صلى الله عليه وسلم ورث هذا عن أبيه عبد الله، أي: أن مأثور في الأصل كان لـ عبد الله والد النبي صلى الله عليه وسلم.
ومن أهم الفوائد: أنه مر معنا ذكر السلاح، وذكر الدواب والإماء والموالي والعبيد، فأين ذهبت هذه الإماء والعبيد والسلاح والدواب التي ذكرناها جميعاً؟ قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: إن النبي صلى الله عليه وسلم قد صح عنه أنه مات ولم يترك ديناراً ولا درهماً، وأن درعه كانت مرهونة عند يهودي في ثلاثين صاعاً من شعير، وأن جميع ما ذكر من العبيد والإماء والدواب والسلاح قد أنجز التصدق به صلى الله عليه وسلم قبل موته، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (إنا معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة).