كتّابه ورسله عليه الصلاة والسلام

قال المصنف رحمه الله تعالى: [فصل في كتابه ورسله.

كتب له صلى الله عليه وسلم: أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وعامر بن فهيرة، وعبد الله بن الأرقم الزهري، وأبي بن كعب، وثابت بن قيس بن شماس، وخالد بن سعيد بن العاص، وحنظلة بن الربيع الأسدي، وزيد بن ثابت، ومعاوية بن أبي سفيان، وشرحبيل بن حسنة، وكان معاوية بن أبي سفيان وزيد بن ثابت ألزمهم لذلك، وأخصهم به].

بعد أن ذكر المصنف رحمه الله بعضاً مما يشير إلى غزواته صلوات الله وسلامه عليه، أشار إلى من كان يكتب له عليه الصلاة والسلام، وهذا يسوقنا إلى مسألة مهمة وهي: أن الله جل وعلا بعث نبيه أمياً لا يقرأ ولا يكتب، وقد عاش عليه الصلاة والسلام لا يقرأ ولا يكتب أربعين عاماً قبل النبوة، وهذا لحكمة أرادها الله حتى لا يأتي أحد ويقول: إن هذا النبي حصل على ما حصل عليه من قرآن لمعرفته بأخبار الأمم السابقة، وهذا أكد القرآن عليه كثيراً، قال الله جل وعلا: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} [العنكبوت:48].

وقال الله جل وعلا: {مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى:52].

وقال الله جل وعلا: {وَمَا كُنتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ} [القصص:86].

فالنبي عليه الصلاة والسلام حفظه الله من أن يقرأ ويكتب قبل النبوة حتى لا يتسلط أحد عليه ويكون عذراً لأحد ممن يعترض على دينه بحجة أنه عليه الصلاة والسلام كان يجيد القراءة، قال الله عن أهل قريش في سورة الفرقان: {وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} [الفرقان:5] أي: طلب من غيره أن يكتبها له، {اكْتَتَبَهَا} [الفرقان:5] أي: طلب من غيره أن يكتبها له، فرد الله جل وعلا عليهم ذلك كله كما هو ظاهر في القرآن.

فلما كان الله قد حفظ نبيه من هذا جعل له كتبة، والشيء الذي لا يحسنه الإنسان يكله إلى غيره، وليس هذا بنقص فيه، بل هذا من مقومات كمال الأمر، والنبي عليه الصلاة والسلام هو رأس الملة وإمام الأمة وهو يقود الناس، وقد شرع الله جل وعلا، واتخذ كتبة يعينونه على أمره عليه الصلاة والسلام فيكتبون الوحي الذي ينزل من السماء، ويكتبون كتبه التي يبعثها إلى غيرهم، ويكتبون بعض الأحكام كما في كتاب عمرو بن حزم.

والكتابة قام بها ثلة من الصحابة؛ لأن العرب كانت في الغالب أمة أمية لا تكتب ولا تحسب، فالذين كانوا يكتبون من الصحابة قليلاً، منهم الخلفاء الأربعة: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، كلهم كانوا كتبة، وكان هناك بعض الصحابة جمع المزيتين: كان خطيباً للنبي عليه الصلاة والسلام وكان كاتباً كما هو شأن ثابت بن قيس.

وكان من هؤلاء الكتبة من هو متميز كما يوجد في الطلاب أو في الوزراء أو في المساندين لأي حاكم قوم مميزون، فكان زيد بن ثابت رضي الله عنه أميز الصحابة في الكتابة، وتعلم لغة اليهود، وهو الذي طلب منه الصديق رضي الله تعالى عنه والفاروق بعد ذلك أن يجمع القرآن.

فهؤلاء رضي الله عنهم وأرضاهم ثلة من الصحابة كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا دليل على أن العاقل يتخذ من أسباب العصر الذي يعيش فيه ما ينفعه في أموره، خاصة تلك التي تتعلق بشئون الدعوة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015