وقال أبو ناظرة السدوسي، وكان رجلاً من أهل العلم والمعرفة بكلام العرب وحسن التصرف فيه، يرثي البصرة وأهلها بكلام عربي فصيح ينبيء أنه كلام موجع يخرج عن نية صادقة من ألفاظ رجل لا عجز يقعد به عن بلوغ الحاجة، ولا إسراف في قوله وتمحل يتجاوز به القدر: الطويل
منازلنا هل من إيابٍ مؤمّ؟ لٍ ... إليك، إذا ما آب كلّ غريب؟!
وهل نحن يوماً عائدون ذوي غنىً ... ومنتجعٍ للمعتفين خصيب
وآذنةٌ في كلّ حيٍّ يزينها ... نقاء جيوبٍ منهم وغيوب
وحلمٌ وعلمٌ ليس بالنّزر فيهم ... فلا يطون مسعاه مشوب؟
وقل لدعاة الشّمس هل من تشهّدٍ ... لوقت صباحٍ أو لوقت غروب
نجنّ ولم نظلم إليك صبابةً ... تفتّت أكبادٍ لنا وقلوب
وقلّ غناءً عبرةٌ مستهلّةٌ ... ترقرق من عينٍ عليك سكوب
أبى الصّبر تذكار الدّيار التي خلت ... مجالسها من سوددٍ وخطوب
ومغدى ذوي الحاجات في كلّ شارقٍ ... إلى كلّ مغشيٍّ الفناء مهيب
وكلّ مطاعٍ في العشيرة ماجدٍ ... معينٍ على ريب الزّمان وهوب
منازل فارقن العهود ولم تكن ... معاناً لناقوسٍ ولا لصليب
منازل قومٍ أسرع السيف منهم ... إلى كلّ وضّاح الجبين نجيب
وكلّ فتىً يرنو إلى اللهو والصّبا ... جرورٍ لأذيال الشّباب سحوب
وكلّ صميمٍ من ذؤابة قومه ... كريمٍ لغايات الكرام طلوب
أبوا أن يرى الله الهوادة منهم ... لأعضه عن دين النّبيّ نكوب
فأودوا وقد عاشوا كراماً أعقّةً ... على فتنٍ مرّت بهم وحروب
تغاديهم ضرباً على الهام تارةً ... وذبحاً بأقسى أنفسٍ وقلوب
فكم من رحىً دارت وكم من مصيبةٍ ... توالت ومن يومٍ هناك عصيب
على ألف ألفٍ من ملوكٍ وسوقةٍ ... ثووا بين أبوابٍ لهم ودروب
مفلّقةٌ هاماتهم وشريدهم ... شماطيط شتّى أوجهٍ وسروب