أحيى من الأبكار يعقلون إيش يأكلون, لا تخفى عَلَيْهِم طيب الأطعمة ولذيذ الأشربة , فالأكل مَعَ هَؤُلاءِ غنيمة وسلامة, وتتهنأ بكل شَيْء تأكل وتشرب, وإذا أسرعت فِي ذهابك فرجت عَن صاحب الوليمة بسرعتك, وَلَمْ تقلق قلبه وقضيت واجب حقه, وإن تأخرت أَوْ تكاسلت إِلَى آخر الوقت فَقَدْ عطبت وهلكت وضيعت وتوانيت, أعلم أنك تصادف الطعام باردًا وَهُوَ فضلات القدور, والرقاق بقايا عجين قَدِ استعملوا الجيد, والماء سخنًا, وصاحب الوليمة ضجرًا متبرمًا, فيحمك فِي ذَلِكَ الوقت فِي الاحتراق. واعلم يا أَخِي أَن آخر مائدة يضيق عَلَيْهِم الطعام ويقل؛ لأن حكم المائدة عشرة, فيقعد ثلاثون, ولا يقدر الرجل أَن يأكل من اللون أَكْثَر من لقمة لقلته وكثرة الأيدي عَلَيْهِ, فموضعك أضيق من جوفك, فَإِذَا قَالَ لَهُمْ صاحب الوليمة: قوموا! سارعوا إِلَى الخوان, فانبسطوا فِي ميدان المضغ, ورفعوا قناع الحشمة, وألزقوا الأكتاف بالأكتاف كأنهم بنيان مرصوص, يأكلون ميمنة وميسرة وقلبًا, وتدور أيديهم عَلَى الخوان شرقيًا وغربيًا, وتسمع للقوم فِي حلوقهم معممة, وَذَلِكَ أَنَّهُ لا يقعد عَلَى آخر مائدة إلا ضعفى الجيران ومساكين المحلة والقوام, فَإِن كَانَ لَهُمْ جداء وحملان فليس يقدم- يَعْنِي إليهم- إلا شرها؛ يقدم الجدي أضلاع بلا لحم فوقه جلد وحوله خس وهندبا, كَأَنَّهُ كوخ ناطور قَدْ وقع خشبه وبقي القصب قائمًا, فإيش يَكُون حال من يَكُون لَهُ أدنى مروءة مَعَ هَؤُلاءِ؟ لا يأكل قليلًا ولا كثيرًا, فيقوم من الخوان وفؤاده أخلى من فؤاد أم موسى, جايع نايع مَا مَعَهُ من العرس إلا شم الطعام وتمشيش العظام, وإنما شرحت لَك لتفهم. واعلم أني قَدْ نصحتك غاية النصيحة, وبينت