يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا} [غافر: 67] .
ومع الضعف يكون الشيب والدعاء غالبًا، قال تعالى: {قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا} [مريم: 4] ، والشيخوخة هي الثمرة الحقيقية لمرحلة الكهولة، فإن كانت الكهولة صالحة فينسحب عليها الصلاح ليصير الشيخ صالحًا، يعرف ربه حق المعرفة، ويمتلئ قلبه بالرحمة والعطف والحنان والشفقة، والخوف من الله -عز وجل، والوجل من عذابه، وفي الأثر: "لولا الأطفال الرضع والشيوخ الركع لصببنا عليكم العذاب صبًّا"، وإن كانت الكهولة فسادًا وهوى، وضلالًا وتيهًا، فإن ذلك ينسحب على الشيخوخة، فيكون صاحبها في نقمة وعذاب، وقلق وآلام، وربما يبلغ أرذل العمر بلاء واختيارًا ومحنة له، قال تعالى: {وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ} [يس: 68] .
والشيخوخة أشدّ ما تحتاج إلى البر بالوالدين فيها، وضرورة الطاعة لهما، قال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا، وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [الإسراء: 23-24] ، فإن كان الوالدان في حاجة إلى النفقة والمال وجبت لهما، وإن كانا أغنياء، أهداهما وحقق لهما المطالب المحببة إلى نفوسهما من حين لآخر، وقد جعل الإسلام سعي الرجل على أبويه الشيخين الكبيرين ضربًا من الجهاد في سبيل الله، فقال -صلى الله عليه وسلم: "ألك أبوان كبيران؟ قال: نعم، قال: ففيهما فجاهد"،