الناس من ذلك، وانتفخت أوداج الحساد، لاسيما بعض الفقهاء ممن لا يحفظ الحديث، ولا يقيمه سنداً ولا متناً، وإذا حدث بحديث أخطأ فيه فيقلبه أو يرويه بالمعنى فيخالف الحفاظ في ألفاظه، وربما يأتون بألفاظ حديثهم بنحو يشبه ألفاظ الفقهاء المتداولة بينهم (?)،فإذا ما نقدهم محدث في ذلك عابوا عليه وشنعوا به، ورموهم بالجهل بالفقه وأصوله! وأنه مجرد ناقل، متعكزين على قولة الأعمش المشهورة لأبي حنيفة رحمه الله:"يا معاشر الفقهاء: أنتم الأطباء ونحن الصيادلة" (?).
وإطلاق الصيادلة على أهل الحديث تشنيع بهم، فهو لقب يطلق على من لا يفهم، كما فسره الإمام أبو يوسف لما سئل عن -الفقيه-الحسن بن زياد، فقال:" هو عندي كالصيدلاني إذا سأله رجل أنْ يعطيه ما يطلق بطنه أعطاه ما يمسكه" (?).
نعم ربما ينطبق هذا الكلام على بعض أصحاب الحديث، لكن ليس على الحفاظ منهم! وهو ظاهر في قول الربيع: سمعت الشافعي قال ((لبعض)) أصحاب الحديث:" أنتم الصيادلة، ونحن الأطباء" (?).وإلاّ فكيف يعيب الشافعي على المحدثين وهو من أجلّة المحدثين! حتى سمّاه أهل العراق (ناصر الحديث) (?)،وقال عنه تلميذه أحمد:"ما رأيت أحداً أتبع للأثر من الشافعي" (?).
وهو من أجلّ من روى عن مالك بن أنس، قال الإمام أحمد "كنت سمعت الموطأ من بضعة عشر رجلاً من حفّاظ أصحاب مالك، فأعدته على الشافعي لأنني وجدته أقومهم" (?). وقد اعتراض سراج الدين البلقيني على من قدم القعنبي وابن وهب على الشافعي في رواية الموطأ.
ونصّ الحافظ في النكت على تقديم الشافعي على أصحاب مالك، فقال "ولا يشك أحد أنّ الشافعي أجل من هؤلآء، من أجل ما اجتمع له من الصفات العلية الموجبة لتقديمه، وهذا لا ينازع فيه إلا جاهل أو متغافل" (?).