أحياناً أخرى، فليس لهم قاعدة واحدة في القبول والرد، وقد تجدهم يرجحون رواية الضعيف على الثقة، في حديث معين؛ لأنه ضبط في هذا الحديث حسب! وتجدهم أحياناً يضعفون رجلاً ثم يصححون حديثه، وهكذا ..
وهذا كله لا يجري على قاعدة، ولا يوافق في كثير من الأحيان قواعد الأصوليين والفقهاء التي تحدد لها مساراً واحداً في كل المسائل، كما يقول العلائي:" كلام الأئمة المتقدمين في هذا الفن كعبد الرحمن بن مهدي ويحيى بن سعيد القطان وأحمد بن حنبل والبخاري وأمثالهم يقتضي أنهم لا يحكمون في هذه المسألة بحكم كلي بل عملهم في ذلك دائر مع الترجيح بالنسبة إلى ما يقوى عند أحدهم في كل حديث حديث" (?).وقد فصّلنا القول في غير هذا الموضع.
إنّ بعض الأئمة المتقدمين تعرّض لتفسير بعضٍ من المصطلحات الحديثية التي شاعت في زمانهم، ولاسيما بعد الخلاف الذي وقع بين مدرستي الحديث والرأي، وأسبق من صنف في ذلك الإمام الشافعي في كتابه الرسالة، قال العلامة أحمد محمد شاكر في مطلع تحقيقه لكتاب الرسالة:" إنّ أبواب الكتاب ومسائله، التي عرض الشافعي فيها للكلام على حديث الواحد والحجة فيه، وإلى شروط صحة الحديث وعدالة الرواة، ورد الخبر المرسل والمنقطع، إلى غير ذلك مما يعرف من الفهرس العلمي في آخر الكتاب -: هذه المسائل عندي أدق وأغلى ما كتب العلماء في أصول الحديث، بل إنّ المتفقه في علوم الحديث يفهم أن ما كتب بعده إنما هو فروع منه، وعالة عليه، وأنه جمع ذلك وصنفه على غير مثال سبق" (?).
ثم تبعه الإمام مسلم في تقدمته لكتابه الصحيح، ثم أبو داود في رسالته لأهل مكة، ثم الترمذي في علله الصغير، وهو مقدمة لكتابه الجامع، ثم ابن أبي حاتم في مقدمة كتاب الجرح والتعديل، وهكذا جاءت هذه التفسيرات مبثوثة في هذه الكتب، ولم تدع الحاجة إلى توليفها بمصنف واحد يجمعها؛ لاستغناء المشتغلين بهذا العلم عن ذلك فلا يعوزهم تحرير لفظ الصحيح أو الحسن أو الضعيف، ... الخ، فهم أهل هذا الفن ورواده.
وبعد أن استقر الأمر للمحدثين الفقهاء الذين جمعوا فضلي الحديث وفقهه، حتى طار ذكرهم في الآفاق وملأ عنان السماء، ودارت حلق العلم في أفلاكهم، وفزع الناس إليهم، فلم تعد تعقد المجالس إلاّ لهم، ونصبت لهم منابر العلم في كل ميدان، ولاسيما بعد تصنيف صحيحي البخاري ومسلم، فاغتاظ بعض