أن تكون عقوبات الجرائم وضعت لغرض واحد, وهذا الفرق يمثل الروح التي تسيطر على كل تشريع، فالقانون يجعل نظرية التداخل خاضعة للغرض الذي يتوخاه الجاني من الجريمة, أما الشريعة فتجعل نظرية التداخل خاضعة للغرض الذي توخاه الشارع من التشريع, وهكذا نجد القانون الوضعي مضطرب المنطق متناقص الاتجاهات بينما نجد الشريعة سليمة المنطق موحدة الاتجاهات.

ومن أوجه الخلاف بين الشريعة والقوانين الوضعية في هذا الباب أن القوانين جعلت حداً أعلى للعقوبات لا يصح أن تتعداه بحال مهما تعددت, ولم تضع الشريعة مثل هذه القاعدة, والضرورة وحدها هي التي أوجدت هذه القيد في القوانين الوضعية؛ لأن العقوبة الأساسية في القوانين هي الحبس بأنواعه المختلفة؛ من حبس بسيط إلى حبس مع الشغل إلى سجن إلى أشغال شاقة مؤقتة ومؤبدة, فلو لم يوضع حد أعلى لمدة العقوبة في حالة التعدد لاستحالت العقوبات المؤقتة عند التعدد إلى عقوبات مؤبدة وانتهى عمر المحكوم عليه قبل أن تنتهي العقوبة, أما في الشريعة الإسلامية فالعقوبات الأساسية هي القطع والجلد وهي عقوبات مؤقتة بطبيعتها ومهما تعددت فلن تستحيل إلى عقوبات أبدية, ومن ثم لم يكن هناك ما يدعو لوضع حد أعلى للعقوبات عند التعدد.

وإذا كانت الشريعة قد قررت عقوبة الحبس المؤقت في بعض الجرائم باعتبارها عقوبة تعزيرية فإنها مع هذا لم تكن في حاجة لوضع حد أقصى لعقوبة الحبس بعد أن قررت نظرية التداخل, إذ المجرم يتخصص عادة في ارتكاب جرائمه فلا يرتكب إلا جريمة واحدة أو جرائم متماثلة, فإذا ارتكب جريمة واحدة عدة مرات فهو لا يعاقب عنها إلا عقوبة واحدة طبقاً لنظرية التداخل, وإذا ارتكب جرائم متماثلة فلا يمكن أن تزيد هذه الجرائم على ثلاث أو أربع, فإذا عوقب عن كل واحدة منها بعقوبة خاصة فإن هذه العقوبات لا يشترط أن تكون جميعاً الحبس, وإذا فرض أنه حكم فيها بالحبس فإن مجموع العقوبات لن يصل إلى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015