كل جريمة محرمة لذاتها ولها عقوبة خاصة, وعقوبة الجريمة الواحدة لم توضع لمنع الجاني عن كل الجرائم وإنما وضعت لمنعه عن ارتكاب جريمة بالذات, وقد روعي في وضع كل عقوبة اعتبارات خاصة لا تتوفر في غيرها, فروعي مثلاً في تقرير عقوبة السرقة اعتبارات خاصة لمنع الجاني من السرقة, وروعي في عقوبتي الجلد والرجم اعتبارات خاصة لمنع الجاني من مقارفة الزنا, وهكذا. ومن ثم كانت عقوبة القذف لا تصلح عقوبة للسرقة ولا تجدي في الردع عنها, وكانت عقوبة السرقة لا تصلح عقوبة للقتل ولا تفيد في منع هذه الجريمة, وكان الواجب نتيجة لهذا المنطق أن تتعدد العقوبة في الجرائم المختلفة وأن يعاقب الجاني على كل نوع منها بعقوبته الخاصة.

أما القوانين الوضعية فتخالف الشريعة في هذه النقطة وتجعل عدم العقاب في جريمة ما عذراً للجاني في ارتكاب أية جريمة أخرى سواء كانت الجريمتان من نوع واحد أو من نوعين مختلفين.

ونظرية التداخل في الشريعة أوسع مدى منها في القانون الوضعي؛ لأن القانون لا يعرف التداخل إلا في حالة واحدة فقط هي ارتكاب الجاني عدة جرائم لغرض واحد وبشرط أن تكون هذه الجرائم مرتبطة ارتباطاً لا يقبل التجزئة. والشراح يصفون هذه الحالة بأنها جب على أساس أن العقوبة الأشد هي التي توقع, ولكن الوصف الصحيح لها أنها تداخل؛ لأن كل الجرائم يعاقب عليها بعقوبة واحدة, والأصل أن الجب يكون بعد الحكم بالعقوبة, أما التداخل فيكون قبل الحكم بها وبعده, وحالة التداخل التي يسلم بها القانون تشبه إلى حد كبير المبدأ الثاني للتداخل في الشريعة.

وإذا كانت القوانين الوضعية قد أخذت بنظرية التداخل على الوجه السابق فإنها تخالف الشريعة في الأساس الذي بنى عليه التداخل, فالقانون الوضعي يجعل أساس التداخل أن يرتكب الجاني جرائمه لغرض واحد, وأن تكون الجرائم مرتبطة ارتباطاً لا يقبل التجزئة, أما الشريعة فتجعل أساس التداخل في هذه الحالة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015