منها مبلغ 150000ج أثمان الخدمات التي يقوم بها المسجونون, فكأن ميزانية الدولة تتحمل 532125ج تنفق سنوياً على المسجونين, ولو أضيف إلى هذا المبلغ الضخم ما يخسره المجتمع كل عام من تعطل هؤلاء المسجونين عن الإنتاج على فرض أن كل مسجون ينتج سنوياً ما يساوي أربعة وعشرين جنيهاً لبلغت خسارة الأمة في سبيل عقوبة الحبس 2582285ج سنوياً.
2 - إفساد المسجونين: وكان من الممكن أن تتحمل الجماعة هذه الخسارة الكبيرة سنوياً لو كانت عقوبة الحبس تؤدي إلى إصلاح المسجونين, ولكنها في الواقع تؤدي بالصالح إلى الفساد فساداً على فساده, فالسجن يجمع بين المجرم الذي ألف الإجرام وتمرس بأساليبه, وبين المجرم المتخصص في نوع من الإجرام وبين المجرم العادي, كما يضم السجن أشخاصاً ليسوا مجرمين حقيقيين وإنما جعلهم القانون مجرمين اعتباراً؛ كالمحكوم عليهم في حمل الأسلحة, أو لعد زراعة نسبة معينة من القمح والشعير, وكالمحكوم عليهم في جرائم الخطأ والإهمال, واجتماع هؤلاء جميعاً في صعيد واحد يؤدي إلى تفشي عدوى الإجرام بينهم, فالمجرم الخبير بأساليب الإجرام يلقن ما يعلمه لمن هم أقل منه خبرة, والمتخصص في نوع من الجرائم لا يبخل بما يعلمه عن زملائه, ويجد المجرمون الحقيقيون في نفوس زملائهم السذج أيضاً خصبة يحسنون استغلالها دائماً, فلا يخرجون من السجن إلا وقد تشبعت نفوسهم إجراماً.
ولقد دلت المشاهدات على أن الرجل يدخل السجن لأمر لا يعتبره العرف جريمة؛ كضبط قطعة سلاح معه، وكان المعروف عنه قبل دخوله السجن أنه يكره المجرمين, ويأنف أن يكون منهم, فإذا خرج من السجن حبب إليه الإجرام واحترفه بل صار يتباهى به, وكان هذا مما أدى بالقضاة إلى أن صاروا يشفقون من الحكم بالحبس في الجرائم الاعتبارية التي لا يتمثل فيها روح الإجرام الحقيقي, كما أنهم يوقفون تنفيذ العقوبة في الجرائم الحقيقية إذا كان المجرم مبتدئاً, لأنهم يخشون