المخلوق ما يخلقه من الأعيان المحدثة وصفاتها، وكثير منهم يرد قول الجهمية بإطلاق القول: بأن القرآن كلام الله، لأن حقيقة قولهم: إنه ليس كلامه ولا تكلم به ولا بغيره، فإن المستقر في فطر الناس وعقولهم ولغاتهم، أن المتكلم بالكلام لا بد أن يكون به الكلام، فلا يكون متكلمًا بشيء لم يقم به بل هو قائم بغيره، كما لا يكون عالمًا بعلم قائمًا بغيره، ولا حيًّا بحياة قائمة بغيره، ولا مريدًا بإرادة قائمة بغيره، ولا محبًا ومبغضًا ولا راضيًا وساخطًا بحب وبغض ورضى وسخط قائم بغيره، ولا متألمًا ولا متنعمًا وفرحًا وضاحكًا بتألم وتنعم وفرح وضحك قائم بغيره، فكل ذلك عند الناس من العلوم الضرورية البدهية الفطرية التي لا ينازعهم فيها إلّا من أحيلت فطرته، وكذلك عندهم لا يكون آمرًا وناهيًا بأمر ونهي لا يقوم به بل يقوم بغيره، ولا يكون مخبرًا ومحدثًا ومنبئًا بخبر وحديث ونبأ لا يقوم به بل بغيره، ولا يكون حامدًا وذامًا ومادحًا ومثنيًا بحمد وذم ومدح وثناء لا يقوم به بل بغيره، ولا يكون مناجيًا ومناديًا وداعيًا بنجاء ودعاء ونداء لا يقوم به بل لا يقوم إلا بغيره، ولا يكون واعدًا وموعدًا بوعد ووعيد لا يقوم به بل لا يقوم إلّا بغيره، ولا يكون مصدقًا ومكذبًا بتصديق وتكذيب لا يقوم به بل لا يقوم إلّا بغيره، ولا يكون حالفًا ومقسمًا وموليًا بحلف وقسم ويمين لا يقوم به إلا بغيره، بل من أظهر العلوم الفطرية الضرورية التي علمها بنو آدم وجوب قيام هذه الأمور بالموصوف بها وامتناع أنها لا تقوم به بل لا تقوم إلا بغيره، فمن قال: إن الحمد والثناء والأمر والنهي والنبأ والخبر والوعد والوعيد والحلف واليمين والمناداة والمناجاة وسائر ما يسمى ويوصف به أنواع الكلام يمتنع أن تكون قائمة بالآمر الناهي المناجي المنادي المنبيء المخبر الواعد المتواعد الحامد المثني الذي هو الله تعالى، ويجب أن تكون قائمة بغيره، فقد خالف الفطرة الضرورية المتفق عليها بين الآدميين، وبدّل لغات الخلق أجمعين ثم مع مخالفته للمعقولات واللغات فقد كذب المرسلين أجمعين، ونسبهم إلى غاية التدليس والتلبيس على المخاطبين، لأن الرسل أجمعين أخبروا أن الله أمر ونهى وقال ويقول، وقد علم بالاضطرار أن مقصودهم أن الله هو نفسه الذي