الهمم العالية ممن اتصف بالزهد في الدنيا والإقبال على الله عزّ وجلّ بالعلم والعمل، زاده الله قربا منه وعزوفا (?) عن دار الغرور (?) أن أملى كتابا جامعا في: الترغيب والترهيب، مجرّدا عن التطويل بذكر إسناد أو كثرة تعليل، فاستخرت الله تعالى وأسعفته بطلبته؛ لما وقر عندى من صدق نيته، وإخلاص طويته، وأمليت عليه هذا الكتاب: صغير الحجم غزير العلم، حاويا لما تفرّق في غيره من الكتب مقتصراً فيه على ما ورد، صريحا في الترغيب والترهيب، ولم أذكر ما كان أفعال النبي صلى الله عليه وسلم المجرّدة عن زيادة نوع من صريحهما إلا نادراً في ضمن باب أو نحوه لأنى لو فعلت ذلك لخرج هذا الاملاء إلى حدّ الإِسهاب المملّ، مع أن الهمم قد داخلها القصور (?)، والبواعث قد غلب عليها الفتور (?). وقصر العمر مانع من استيفاء المقصود، فأذكر الحديث ثم أعزوه، (?) إلى من وراء من الأئمة أصحاب الكتب المشهورة التي يأتى ذكرها، وقد أعزوه إلى بعضها دون بعض طلبا للاختصار لا سيمان إن كان في الصحيحين أو في أحدهما، ثم أشير إلى صحة إسناده كما تقدّم، لأن المقصود الأعظم من ذكره إنما هو معرفة حاله من الصحة والحسن والضعف ونحو ذلك، وهذا لا يدركه إلا الأئمة الحفاظ أولو المعرفة التامة والإتقان فإذا أشير إلى حاله أغنى عن التطويل بإيراده، واشترك في معرفة حاله من له يد في هذه الصناعة وغيره. وأما دقائق العلل فلا مطمع في شيء منها لغير الجهابذة (?) من النقاد أئمة هذا الشأن، وقد أضربت عن ذكر من تقدّم من العلماء رضي الله عنهم أساغوا (?)
التساهل في أنواع من الترغيب والترهيب، حتى إن كثيراً ذكروا الموضوع ولم يبينوا (?)
حاله، وقد أشبعنا الكلام على حال كثير من الأحاديث الواردة في هذا الكتاب وفي غيره من كتبنا، فإذا كان إسناد الحديث صحيحا أو حسنا أو ما قاربهما صدّرته بلفظة: عن، وكذلك إن كان مرسلا أو منقطعا أو معضلا