تاريخها وشرائعها، ولذلك كله نجد في بلاد الصين قبل خمسة آلاف سنة مدارس تنتشر في القرى في مبان ضيقة لا تزيد عن حجرة أو في أركان المعابد، ويتعلم الأطفال فيها الكتابة وبعض الأشعار ومبادئ الحساب، ولم تكن هناك صلة أول الأمر بين لغة التخاطب ولغة التعليم، وينتقل الطلاب من مرحلة دنيا إلى مرحلة عليا يدرسون فيها التاريخ والفلسفة والدين والشؤون الزراعية والحربية، ولأن التربية كانت خاضعة للدولة فإنها كانت تهيئ لها الموظفين الذين يعينون حسب شهاداتهم والامتحانات الدورية التي تعقد لهم، ويجتاز الطالب عدة امتحانات ليمتحن أخيرا في كلية (هان لين بوان) ، وهي أكاديمية امبراطورية في بكين؛ قاعة الامتحانات فيها تتكون من عشرة آلاف حجرة، ولكل طالب حجرة يختبر فيها ويأكل فيها ويعيش فيها؛ حيث تستمر ثلاثة عشر يوما في الأدب والأخلاق والفلسفة، ثم يعين الناجحون - بعد تلك الأيام القاسية التي عاشوها في حجرات غير صحية - في مناصب الدواة الكبرى1.
وكان غرض التربية إلى جانب ذلك (إعداد القادة؛ بتزويدهم بالمعارف القديمة التي تتصل بنظام المجتمع وصلات الأفراد بعضهم ببعض، وإعداد كل أفراد الشعب ليكون سلوكهم حسنا في جميع أعمالهم وفي جميع ما يزاولونه في حياتهم) 2، أي أن التربية كانت تعنى بالناحية الخلقية الاجتماعية.
أما في مصر الفرعونية فقد هدفت التربية إلى تهيئة الأفراد ليكونوا أعضاء عاملين في المجتمع، وذلك بمدّهم بالخبرات اللازمة لذلك، كما عملت التربية على تنمية الناحيتين الثقافية والمهنية، والدينية والدنيوية (فالدنيوي تخريج المتعلمين في الفنون المختلفة مما يضمن لهم المعيشة الراضية، والديني هو العمل على محبة الآلهة في الآخرة بالتعبد والتقرب إليهم) 3.
أما الهند فقد كان التعليم محتكرا لدى البراهمة الذين قصروا التعليم أول الأمر على عدد قليل من الطبقة العليا، ثم سمحوا به للطبقات كلها، ويشمل التعليم الدين والأخلاق والحساب والكتابة، ثم ينتقل الجميع إلى الجامعات، وكانت التربية تعمل على اكتساب الطلاب لعادات التفكير والإحساس والتحكم في الجسم والسلوك؛ فكان الطالب يجلس جلسة واحدة مدة تستغرق ساعات طويلة يتعود بها على التحكم في نزعات نفسه ورغبات جسمه4.