وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} 1.
ففي هذه الآيات نلمح بوادر التربية الإلهية للإنسان ممثلا في سيدنا آدم الذي كرمه الله، وعلمه مسميات الأشياء، ووكل إليه تحمل مسؤولية المواجهة للغواية ووسوسة الشيطان والمحافظة على عهد الله، ثم ما أعقبت المعصية من تنبه ويقظة وندامة وحسرة، وما ترتب على هذه التجربة من طلبٍ للمغفرة وتوبة إلى الله؛ كل ذلك ليستفيد الإنسان منها على الأرض مكان الخلافة التي خلق لها وأنزل إليها مزودا بتجارب متهيئة لمواجهة أعدائه في الأرض: النفس والشيطان.
فالتجربة التربوية الأولى كانت من عند الله سبحانه، وفي غير الأرض، ثم تتعدد التجارب التي تربي الإنسان في الأرض في أحداث القرآن، وبسائل خارجة عن تجارب البشر ومعارفهم، فإذا كانت التجربة الأولى ممثلة من خليفة الله في الأرض للخير وإبليس رمزا للشر؛ فإن التجربة تتكرر في أول جريمة على هذه الأرض من ابني آدم قابيل وهايبل، وهذه التجربة توضح أن وسائل التربية للإنسان ليست هي التحذير والموعظة والتذكير دائما؛ إذ إن النفوس تتباين وتختلف، ولابد تبعا لذلك من اختلاف الوسائل والطرق التربوية؛ يقول الله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ} 2.
فالقصة تعلمنا أن النفس الشريرة إذا ما اندفعت في اتجاهها تطوع للإنسان كل جريمة من إزهاق روح بريئة، كما أن حيرة القاتل تظهر حداثة التجربة وجدتها في الأرض،