الدول العثمانية وتأخرها من ناحية أخرى. وعندما نصل بسرعة إلى بداية الاستقلال والتحرر الوطني في البلاد العربية نجد الاهتمام بتطوير نظم التعليم والمدارس. وقد سار هذا التطوير في اتجاهين رئيسيين: الاتجاه الأول تمثل في محاولة إصلاح معاهد التعليم القائمة ومراكزه التقليدية كالأزهر والقرويين والزيتونة والكتاتيب. وقد ارتبط بهذا الاتجاه عدة محاولات إصلاحية هامة منها محاولة الإمام الشيخ محمد عبده والشيخ العروسي والطهطاوي وعلي مبارك.
أما الاتجاه الثاني فقد تمثل في إنشاء المدارس الحديثة على غرار المدارس الأوربية ولا سيما الفرنسية منها. وقد ترتب على هذا الاتجاه وجود نظامين للتعليم أحدهما النظام الديني التقليدي والثاني النظام الحديث المقتبس. وقد شكل هذا الوضع ثنائية تعليمية كان لها أثار بعيدة على الوحدة الفكرية والثقافية بل والاجتماعية للبلاد العربية.
وبصرف النظر عن اختلاف التربويين في تقييم الآثار المترتبة على اقتتباس المدارس الحديثة فإنها قد استطاعت أن تقوم بدور هام في سد احتياجات البلاد ومتطلباتها الثقافية في نهضتها الحديثة. بل واستطاعت هذه المدارس أن تؤثر من حيث الشكل والمضمون على نظام المدارس التقليدية. وهناك نتيجة هامة أخرى ترتبت على وجود نظام المدارس الحديثة هي وجود سلطة من غير رجال الدين للإشراف على هذه المدارس.
وينبغي ألا يفهم من ذلك أن تعليمنا الإسلامي التقليدي قد فقد أصالته لما طرأ عليه من هذا التغيير في الشكل وإنما يجب أن ينظر إلى هذا التغيير على أنه مرحلة تطورية لم يكن لها أن تحدث ما لم تكن مناسبة لثقافتنا وقيمنا الإسلامية. وهناك كثير من الأمثلة على أن الأمة الإسلامية عبر تاريخها الطويل قد انفتحت على الثقافات الأخرى واقتبست منها ما يناسبها سواء في نظام الحكم أو الإدارة أو التجارة أو الزراعة أو الصناعة أو الثقافة أو التعليم. ولم يشعر السابقون بغضاضة في ذلك. فما بالنا لا نتعظ بهم. إن عالمية الرسالة الإسلامية تعني فيما تعني انفتاح المسلمين على العالم كله بخبراته وتجاربه عن وعي وبصيرة وإدراك حقيقي دون ترك الحبل على الغارب بالطبع. أما التطور الذي