النظامية ببغداد حمل على ظهره أيام شبابه معجما كبيرا من تبريز إلى بلاد الشام لكي يدرسه عند شاعر معروف النعمان المشهور أبي العلاء المعري. ويقال إن هذا المعجم كان يبدو في مظهره بعد موت التبريزي مبللا بالعرق من طول ما حمله التبريزي على ظهره. "كراتشكوفسكي: ص23".
كما يروى أن أبا القاسم سليمان بن أحمد الطبراني الذي ولد بطبرية 260هـ اختلف إلى كثير من البلاد ثلاثا وثلاثين سنة سمع فيها من ألف شيخ. كما أثر عن القاضي عبد الله محمد بن أحمد مولى عبد الرحمن الناصر الأندلسي أنه رحل من قرطبة وتنقل ببلاد الحجاز ومصر والشام وأخذ العلم على مائتين وثلاثين شيخا ثم عاد إلى الأندلس سنة 145هـ. "حسن إبراهيم ج3، 239".
وكان طلاب العلم في المغرب الإسلامي كما أشرنا يرحلون في طلب العلم مارين بمصر فيتلقون العلم على يد علمائها ومنهم الشافعي ثم يرحلون إلى الحجاز لأداء الحج والتتلمذ على يد علماء المدينة من أمثال مالك بن أنس.
وكثير من علماء شمال إفريقيا رحلوا في طلب العلم وعانوا في سبيل تحصيله منهم أسد بن الفرات المولود 142هـ وارتحل من القيروان إلى المشرق ودرس على يد علمائه، ومنهم الإمام أبو سعيد سحنون بن حبيب التنوخي الذي ولد بالقيروان عام 160هـ ورحل إلى مصر والحجاز والشام وتعلم الفقه على يد علماء هذه الأمصار. ومنهم محمد بن سحنون التنوخي القيرواني المولود سنة 202هـ وأول من كتب في التربية والتعليم من العرب المسلمين، وكتابه المعروف "آداب المعلمين" وقد رحل في طلب العلم إلى الشرق. ومنهم أيضا أبو الحسن القابسي الذي ولد في القيروان عام 324هـ "935م" صاحب الكتاب القيم الذي يعرفه دارسو التربية الإسلامية "الرسالة المفصلة لأحوال المتعلمين وأحكام المعلمين والمتعلمين"، وقد ارتحل إلى الشرق واستمع إلى علمائه في مصر والحجاز، ومنهم ابن القزاز التميمي شيخ اللغة والأدب في إفريقيا ومؤلف أكبر معجم لغوي عرف في عصره هو "الجامع في اللغة" وغيرهم كثيرون. بل وقد حث العلماء أنفسهم على السفر لما فيه من فوائد ليس أقلها طلب العلم واكتسابه.