هناك خلط وسوء فهم في الكتابات العربية عن أجر المعلم وهل يجوز للمعلم أن يأخذ أجرا عن التعليم أم لا. ويرجع هذا الخلط إلى عدم التمييز أو التفرقة بين أخذ المعلم أجرا عن التعليم من المتعلم وبين أخذه أجرا عن التعليم كمهنة يتعيش منها من أولي الأمر. ومن قصد المعنى الأول من علماء المسلمين قال بعدم أخذ المعلم أجرا عن التعليم وإنما يبتغي به مرضاة الله لقوله صلى الله عليه وسلم: "قل لا أسألكم عليه من أجر. إن أجري إلا على الله". ومن ذهب إلى هذا القول قلة من علماء المسلمين منهم الغزالي والجيطالي. ومن قصد المعنى الثاني من علماء المسلمين قالوا بأن المعلم يستحق أجرا على تعليم القرآن وغيره وذلك استنادا إلى ما ورد في الأثر: "أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله تعالى". وذهب كل من ابن سحنون والقابسي وغيرهما إلى القول بهذا الرأي, ومنهم الغزالي أيضا عند قصد هذا المعنى إذ يقول: "للمدرس أن يأخذ ما يكفيه ليفرغ قلبه عن المعيشة وليتجرد لنشر العلم فيكون مقصوده نشر العلم وثواب الآخرة. ويأخذ الرزق بلغة ميسرة للمقصود أي مساعدة له على العيش والحياة. ويبرز القابسي إعطاء المعلم أجرا عن التعليم بقوله: لو اعتمد الناس على التطوع لضاع كثير من الصبيان ولما تعلم القرآن كثير من الناس فتكون هي الضروروة القائدة إلى السقوط في فقد القرآن من الصدور، والداعية إلى تثبيت أبناء المسلمين بالجهالة فلا وجه لتضييق ما لم يأت فيه ضيق.
ويروى عن ابن مسعود قوله: ثلاثة لا بد للناس منهم: أمير يحكم بينهم ولولاه لأكل بعضهم بعضا، وشراء المصاحف وبيعها ولولاه لقل كتاب الله، ومعلم يعلم أولادهم ويأخذ على ذلك أجرا ولولا ذلك لكان الناس أميين. ويروى أيضا أن سعد بن مالك قدم برجل من العراق يعلم أبناءهم الكتاب بالمدينة ويعطونه الأجر. ويروى عن مالك قوله: لا بأس بما يأخذ المعلم على تعليم القرآن وإن اشترط شيئا كان حلالا جائزا ولا بأس بالاشتراط في ذلك، وحق الختمة سواء اشترطها أم لم يشترطها. وهذه كلها أمثلة تؤكد استحقاق المعلم للأجر على اشتغاله بالتعليم.
وكان الإمام مالك وجميع علماء المدينة يجيزون أخذ الأجر على تعليم الصبيان القرآن والكتابة. فقد ورد عن ابن وهب صاحب الموطأ قوله: "سئل مالك عن الرجل يجعل للرجل عشرين دينارا يعلم ابنه الكتاب والقرآن حتى يحذقه. فقال: لا بأس بذلك وإن لم يضرب أجلا. ثم قال: "والقرآن أحق