الحفظ ومراعاته، وطول الأمل في التوفر عليه عند نشاطه. وليس يعلم أن الضجور خائب وأن الطويل الأمل مغرور. والعرب تقول في أمثالها: "حرف في قلبك خير من ألف في كتبك".
وقد يكون السبب أيضا عناية المتعلم بالحفظ من غير فهم أو تصور حتى يصير حافظا للألفاظ دون فهم المعاني. ويروي بغير روية ويخبر عن غير تجربة. فهو كالكتاب الذي لا يدفع شبهة ولا يؤيد حجة. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: "همة السفهاء الرواية وهمة العلماء الرعاية". وقال ابن مسعود رضي الله عنه: "كونوا للعلم رعاة ولا تكونوا له رواة. فقد يرعوي من لا يروي، ويروي من لا يرعوي" وهناك سبب آخر يذكره الماوردي هو أن يكون المتعلم قد اعتمد على حفظه وتصوره وأغفل تقييد العلم في كتبه ثقة بما استقر في ذهنه. وهذا خطأ منه. لأن الشك مفترض والنسيان طارئ. وقد روى أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "قيدوا العلم بالكتاب". وروي أن رجلا شكا إلى النبي صلى الله عليه وسلم النسيان فقال له: "استعمل يدك" أي أكتب حتى ترجع إذا نسيت إلى ما كتبت. وقد قيل: لولا ما عقدته الكتب من تجارب الأولين لا نحل مع النسيان عقود الآخرين. وقال بعض العلماء: إن هذه الآداب نوافر تند "أي تنفر" عن عقل "قيود" الأذهان فاجعلوا الكتب عنها حماة والأقلام لها رعاة.