طرق معرفة الله الإنسان لعيوبه:
يقول الغزالي إن الله عز وجل إذا أراد بعبد خيرا بصره بعيوب نفسه ويورد طرقا أربعة لعمل ذلك:
الطريقة الأولى: أن يجلس بين يدي شيخ بصير بعيوب النفس مطلع على خفايا الآفات ويحكمه في نفسه ويتبع إشارته في مجاهدتها. وهذا شأن المريد من شيخه والتلميذ مع أستاذه. فيعرفه أستاذه وشيخه عيوب نفسه ويعرفه طريق علاجه. ويعلق على هذه الطريقة بأنه قد عز في الزمان وجودها.
الطريقة الثانية: أن يطلب صديقا صدوقا بصيرا متدينا فينصبه رقيبا على نفسه ليلاحظ أحواله وأفعاله. فما كره من أخلاقه وأفعاله وعيوبه الباطنة والظاهرة ينبهه إليه. فهكذا كان يفعل الأكياس والأكابر من أئمة الدين. ويضرب مثلا بداود الطائي الذي اعتزل الناس، فقيل له: لما لا تخالط الناس؟ فقال: وماذا أصنع بأقوام يخفون عني عيوبي؟ وهذا يعني أن على الناس أن يتنبهوا لعيوبهم بتنبيه غيرهم لهم.
الطريقة الثالثة: أن يستفيد من ألسنة أعدائه في معرفة عيوب نفسه لأنه عين السخط تبدي المساويا على حد تعبير الشاعر في قوله:
وعين الرضا عن كل عيب كليلة ... ولكن عين السخط تبدي المساويا
ولعل انتفاع الإنسان بعدو مشاحن يذكره عيوبه أكثر من انتفاعه بصديق مداهن يثني عليه ويمدحه ويخفي عنه عيوبه. ويعلق الغزالي على ذلك بقوله إلا أن الطبع مجبول على تكذيب العدو وحمل ما يقوله على الحسد. ولكن البصير لا يخلو من الانتفاع بقول أعدائه لأن مساوئه لا بد وأن تنتشر على ألسنتهم.
الطريقة الرابعة: أن يخالط الناس، فكل ما رآه مذموما فيما بين الخلق يقيس نفسه عليه. لأن المؤمن مرآة المؤمن. فيرى عيوب نفسه من خلال عيوب غيره. ويعمل على تطهر نفسه من كل ما يشينه ويعيبه. وهذا يعتبر تأديبا له. ولو أن الناس تركوا ما يكرهونه من غيرهم لاستغنوا عن المؤدب. ويورد الغزالي قول عيسى عليه السلام عندما سئل من أدبك؟ قال: ما أدبني أحد رأيت جهل