دينيا. فقد لعن الإسلام من يخفي علمه على الناس كما أنهم اكتفوا بما كانوا يصيبونه من الفيء والصدقة. وكان الخلفاء يقدمون مساعدات مالية للعلماء والزهاد الذين حبسوا أنفسهم في المساجد للعبادة. وقد أثر عن عمر بن عبد العزيز أنه كتب إلى والي حمص: انظر إلى القوم الذين نصبوا أنفسهم للفقه وحبسوها في المسجد عن طلب الدنيا فأعط كل رجل منهم مائة دينار يستعينون بها على ما هم عليه من بيت المال حتى يأتيك كتابي هذا فإن خير الخير أعجله والسلام "حسن إبراهيم: ط1 ص523". ومن المعروف أن عمر بن الخطاب أمر ببناء بيوت المكاتب ونصب الرجال لتعليم الصبيان وتأديبهم.
وقد نشأت المدارس مرتبظة بالحكم من ناحية وبهدف الترويج لمذهب ديني معين من ناحية أخرى، ولعل من الأمور المتميزة في علاقة الدولة بالتربية في الإسلام أن الخلفاء والحكام أنفسهم كانوا يهتمون بالعلم والثقافة ويسعون إليها. وكان منهم العلماء والشعراء والأدباء وكانوا يجعلون من قصورهم منتدى للفكر والثقافة والأدب يجتمع فيها العلماء والآدباء. وكانت تعقد المناظرات العلمية والأدبية بين هؤلاء العلماء والأدباء كما كان يلقى بها الدروس أيضا، ومن أشهر المجالس العلمية والأدبية ما كان يعقده الخلفاء الأمويون والعباسيون من أمثال هارون الرشيد وولده المأمون وسنوا بذلك تقليدا تبعه من جاء بعدهم من الحكام والأمراء الذين كانوا يبعثون في استقدام مشاهير العلماء والأدباء إلى قصورهم.
وإلى جانب هارون الرشيد والمأمون كان هناك خلفاء آخرون كثيرون اهتموا بالعلم والتعليم، منهم نظام الملك الذي كان أول من أنشأ المدراس في الإسلام ونور الدين زنكي والحاكم بأمر الله وصلاح الدين الأيوبي. وفي الأندلس البعيدة كان الحاكم المستنصر صاحب المكتبة المعروفة في قصره بقرطبة والذي يصفه المقري بأنه كان غزير العلم واسع الإطلاع ذا معرفة بالأخبار والأنساب.
وقد ارتبطت علاقة الدولة بالتربية باعتبارها أن الإسلام دين ودولة. إلا أن هذه العلاقة كانت مرهونة باحتياجات نشر الدين الجديد وتثبيته. فالنبي صلى الله عليه وسلم ترك معاذ بن جبل في مكة بعد فتحها ليعلم المسلمين مبادئ الدين الإسلامي وعمر أرسل بعض الصحابة إلى الأمصار الإسلامية لنشر مبادئ الدين الجديد وتعليمها.