يليها، وأن الله أنزل القصاص حياة لعباده، فكيف إذا قتلهم من يقتص لهم. واذكر يا أمير المؤمنين الموت وما بعده من الفزع الأكبر. واعلم يا أمير المؤمنين أن لك منزلا غير منزلك الذي أنت فيه، يطول فيه ثواؤك، ويفارقك أحباؤك، ويسلمونك في قعرة فريدا وحيدا، فتزود له بما يصحبك {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ، وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ، وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ} واذكر يا أمير المؤمنين إذا بعثر ما في القبور وحصل ما في الصدور، فالأسرار ظاهرة والكتاب لا يغادر صغير ولا كبيرة إلا أحصاها، فالآن يا أمير المؤمنين وأنك في مهل، وقبل حلول الأجل وانقطاع الأمل لا تحكم يا أمير المؤمنين بحكم الجاهلين. ولا تسلك بهم سبيل الظالمين ولا تسلط المستكبرين على المستضعفين فإنهم لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة. فتبوء بأوزارك وأوزار مع أوزارك وتحمل أثقالك وأثقالا مع أثقالك. ولا يغرنك الذين يتنعمون بما فيه بؤسك ويأكلون الطيبات في دنياهم بذهاب طيباتك في آخرتك. لا تنظر إلى قدرتك اليوم، ولكن انظر إلى قدرتك غدا، وأنت مأسور في حبائل الموت، وموقف بين يدي الله في مجمع الملائكة والنبيين والمرسلين {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ} . وإني يا أمير المؤمنين، وإن لم أبلغ بعظتي ما بلغه أولو النهى من قبلي لم آل من شفقة نصحا، فأنزل كتابي عليك كمداوي حبيبه بسقية الأدوية الكريهة لما يرجو له من العافية والصحة والسلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته". وهكذا يتضح الدور الهام الذي يلعبه حاكم المسلمين في تصريف شئونهم والرعاية على مصالحهم. ومنه بالطبع ما يتعلق بالتربية والتعليم وغيرها من أمور العباد. فولاة أمور المسلمين رعاة على أمورهم وهم مسئولون عن رعيتهم في تصريف أمور دينهم ودنياهم وحياتهم على السواء ويعتبر فقهاء المسلمين أن أوجب حقوق الأمة على الخليفة "نشر العلوم والشريعة وتعظيم العلم وأهله ورفع مناره ومحله ومخالطة العلماء والأعلام النصحاء لدين الإسلام ومشاورتهم في موارد الأحكام ومصادر النقض والإبرام". وهذا يعني أن على الدولة في الإسلام مسئولية تعليم أبناء المسلمين. وكانت الدولة في صدر الإسلام بالفعل تخصص نفقات لدور العلم وإن كانت هذه النفقات في صدر الإسلام قليلة وذلك يرجع إلى زهد القائمين بالتعليم واعتبار ما يقومون به واجبا