بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى
أما بعد:
فإن الذين اعتنوا بتدوين المدنية العربية والتراتيب الإدارية لخلفاء المملكة الإسلامية، وذكروا ما كان لأمراء الإسلام على عهد الدولة الأموية والخلافة العباسية، من الرتب والوظائف والعمالات والعمال أهملوا ما كان من ذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ مع أنه عليه السلام حيث كان يشغل منصب النبوة الديني على قاعدة جمع دينه القويم بين سياسة الدين والدنيا جمعا مزج بين السلطتين، بحيث كادا أن يدخلا تحت مسمى واحد وهو الدين. وكذلك وقع.
كانت الإدارات اللازمة للسياستين على عهده صولجانها دائر، والعمالات بأتم أعمالها إلى الترقي والعمل سائر، بحيث يجد المتتبع أن وظائف حاشية الملك اليوم، الخاصة بشخصه من صاحب الوضوء والفراش والنعال والإصطبل والحاجب وغير ذلك، كانت موجودة عند النبي صلى الله عليه وسلم. ولعل عن ذلك العهد أخذها ملوك الإسلام. كما إذا التفت إلى ما يتعلق بالمراتب الإدارية من وزارة بأنواعها، وكتابة بأنواعها، والرسائل والإقطاعات، وكتابة العهود والصلح، والرسل والترجمان، وكتّاب الجيش والقضاة، وصاحب المظالم وفارض النفقات، وفارض المواريث، وصاحب العسس في المدينة والسجان، والعيون والجواسيس، والمارستان والمدارس والزوايا، ونصب الأوصياء والممرضات والجراحين، والصيارفة وصاحب بيت المال، ومتولي خراج الأرض وقاسم الأرض، وصانع المنجنيقات والرامي بها وصاحب الدبابات، وحافر الخنادق والصوّاغين وأنواع المتاجر والصناعات والحرف، تجد أن مدّته عليه السلام مع قصرها لم تخل عن أعمال هذه الوظائف، وإدارة هذه العمالات. وتجد أنها كانت مسنده للأكفاء من أصحابه وأعوانه عليه السلام.
وربما يستغرب السامع هذا القدر على البديهة إذا سمعه خصوصا ممن اقتصر على مطالعة بعض كتب السير للمتأخرين، وظن أنها خالية عن أمثال هذه الأمور، فإنه ربما يحيص حيصة الاستغراب، ولكن لا ضير فإن أكثر الذين يتعاطون السير اليوم غاية ما