وقال غيره أيضا: «سنّ صلى الله عليه وسلم من القوانين والنظامات والأنظمة ما يأمن معه كل ذي حق على حقه، ويدفع التعدي من الأشرار، وذوي الأطماع على أحد من الأمة، أو أهل الذمة، ومن أحكام الزوجية بالطريقة المرضية على أكمل نظام، وأبدع إحكام، وبيّن حقوق الزوجين على بعضهما، مجتمعين أو مفترقين، وسنّ أحكام المعاملات من نحو البيع والشراء والإجارة والشركة والمداينة، وقسم التركات على طريقة الحكمة، وسنّ بعض العقوبات والقصاصات والتعازير لتحفظ بها الأنفس والأموال والأعراض، وسنّ جميع الآداب من كل باب كاداب الأكل والشرب، وآداب النوم وآداب الكلام، وآداب المجالسة والمحادثة والزيارة، وآداب الحضر والسفر، وآداب الزوجية، وآداب ذوي الأرحام مع بعضهم، وآداب الجيران، وآداب الأصحاب، وآداب جميع المسلمين مع بعضهم، وآدابهم مع أهل ذمتهم، إلى غير ذلك من الآداب.

فبعد أن يبحث في كل ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم وما سنه من القوانين والنظامات [والأنظمة] التي هي في غاية الأحكام والإتقان والإبداع، يجزم بأن إتيانه صلى الله عليه وسلم بها، وهو أمي نشأ بين أمة أمية بدوية جاهلية لم يفارق أوطانه إلا أشهرا قلائل لا تصلح (مدته) (?) لتحصيل أقل القليل من العلوم، ولم يجتمع على أحد من أهل المعارف في مدة حياته في بلده، ولم يشاهد أنه عانى تعلم شيء من الشرائع، وقوانين الدول. فأنّى له بأن يستنبط عقله هذا الترتيب الغريب العجيب، الذي أحاط بكل حكمة باهرة، واحتوى على كل خصلة جميلة فاخرة، وتكفل بنظام حال البشر وصالح أحوالهم، وطهارة نفوسهم وعمار ديارهم، وكف أشرارهم، وبكل شيء يعود عليهم بالخير ويدفع عنهم الضر لا يصحح العقل إمكان التصديق باقتداره صلى الله عليه وسلم على الإحاطة بجميع ما جاء به؛ فإذا لا بد أن يكون مرسلا من عند الله، وهو الذي هداه إلى جميع ذلك وأطلعه عليه، وفهّمه أسراره وأمره بتبليغه اهـ.

ولله در الحافظ أبي القاسم السهيلي إذ قال في الروض الأنف بعد ذكر حريفات (?) من السيرة ما نصه: فهذه جملة تشرئب إلى معرفتها أنفس الطالبين، وترتاح بالمذاكرة بها قلوب المتأدبين، وكل ما كان من باب المعرفة لنبينا صلى الله عليه وسلم ومتصلا بأخبار سيرته مما يونق الأسماع ويهزّ بأرواح المحبة الطباع، والحمد لله على ما علم من ذلك اهـ ص 93 من الجزء الثاني.

وقد قال الإمام القاضي أبو عبد الله محمد بن الأصبغ المعروف بابن المناصف القرطبي الأزدي في الدرر السنية في المعالم السنية في المعلم الرابع من السيرة النبوية:

وإن أولى ما تحلى المسلم ... بعد كتاب الله أو يقدم

علم بأيام رسول الله ... من لدن النشء إلى التناهي

وحفظ ما يحق أن لا يجهلا ... من أمره وحاله مفصلا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015