لذلك أرى من الواجبات الكفائية، إن لم نقل العينية على المسلمين العلم بهذه الأمور، لتكون منوالا تنسج عليه الأمة، أو منبها يحرك فيها باعث الجد لاسترجاع ما فات، والتوثق من حفظ استقلالها وصون حياتها مما هو آت، أو ليعلموا على الأقل شرف دين متبوعهم الأعظم عليه السلام وليزدادوا فيه حبا وله تعظيما. ولما دعاهم إليه تمسكا.
قال بعض العلماء: «إن أساسات الدين الإسلامي باعتقاد الحق، وإقامة البرهان على المعتقد وتعميم المعاملات والأخاء، وتخويل عموم الأفراد حرية محضة محدودة بحدود موافقة للحكمة بحيث تحفظ الحياة الإجتماعية ما دام في الوجود موجود، مانعة ذويها من الإفراط والتفريط، ثم أوجب بينهم حفظ المراتب والدرجات، وأوجب رعايتها عليهم ورفع بعضهم فوق بعض درجات، بمقتضى الاستحقاق والقابلية، ثم ألزمهم رعاية مصالح سواهم، وحبّب اشتراك غيرهم معهم، في نعمة هذه المدنية العظمى.
وكانت الزراعة معتنّى بها في زمانه عليه السلام، وهو الذي يأمر بها ويحض عليها، وكذلك الصناعة، فإنه أمر بها وبتعلمها، وأمر بمبادي التعليم وأمر بأخذ العلوم، ولو من ديار الكفار. وأدخل بعض الأمور التي وصله خبرها من الأمور النافعة، التي يستعملها كفار الفرس وغيرهم؛ مثل عمل الخندق واستحسان تنوير المسجد من قبل تميم الداري، حين أو قد قنديلا ومصباحا أحضره معه من سياحته بعد أن كان يستضاء في المسجد النبوي بالحرق، وأمر بنشر العلوم والمعارف، وتقسيم الوظائف وإيجاب الأخاء، وتقدير الرجال وتنظيم القوى الدفاعية والهجومية، وأسس وجوب ذلك وقرر وجوب حفظ الأبدان والطب والتشريح وأنواع الحكمة الطبيعية وتعميم الآداب ومكارم الأخلاق، والتاريخ والجفرافية والسياحة والاستكشافات، والسعي في الاختراعات والنجوم والحساب والقصص والروايات وآداب المحاضرات والمسامرات، وقرر مع كل هذا وظائف الأعمال الإدارية وألزم بالاقتصاد الإداري، والمالي، وكل ما يكون في الأمم المتمدنة حتى قرر وجوب الإحصاء.
أما التجارة فقد استعملها عليه السلام بذاته، هذا ما كان من أمر الشؤون الداخلية- وأما الشؤون الخارجية فقد دعا بالبلاغ المبين وقرر أصول الحقوق الدولية والحقوق الملّيّة [الوطنية] وأوجب أصول الحروب والهدنة والمسالمة والمعاهدة والمقاولة والمكاتبة ورعاية الموازنة السياسية، والمعاهدات وأصول أهل الحماية وحقوق الجوار ومعاملة رعايا الأجانب [الدول الأجنبية] وأهل الذمة وتخويل كل فرقة حقا محدودا بالحكمة، محوطا بالصواب.
فيجب على من يريد درك الحقيقة من هذا الدين المتين، أن يراجع نصوصه المبينة في كل حادث زماني أو مكاني أو علمي أو عملي، ويكون له من الاقتدار على التطبيق الشرعي صلاحية كافية، فإنه يرى الحكمة تنجلي بين يديه، مجردة عن كل تردد واحتجاب (?) اهـ.