وقال العبدي: "إنما وجب الوصف على طريق العوض من العامل المحذوف". يعني أن العامل الذي يتعلق به مجرور رب محذوف في الغالب، فلزمه الوصف ليكون عوضا منه متى حذف.
وما استدلوا به لا حجة فيه، أما قولهم "إنما جرت مجرى حرف النفي لكونها لا تقع إلا صدرا" فليس بصحيح، وقد وقعت خبرا ل"إن"، وخبرا ل"أن" المخففة من الثقيلة، قال الشاعر:
أماوي إنى رب واحد أمه ... أخذت، فلا قتل لدى ولا أسر
وقال الآخر:
تيقنت أن رب امريء، خيل خائنا، ... أمين وخوان يخال أمينا
وأما قولهم "إنه لا يتقدم عليها ما يعمل في الاسم المجرور" فهو تفريغ على أن ل"رب" ما تتعلق به؛ وهو شيء مختلف فيه، وسيأتي، وعلى تقدير أنها لها ما تتعلق به فلا يدل عدم تقدمه عليها على أنها مشبهة بحرف النفي؛ لأن لنا ما لا يتقدم على المجرور الذي يتعلق به، ولا يلزم أن يكون جاريا مجرى حرف النفي، نحو قولك: بكم درهم تصدقت، تريد الخبرية. وأيضا فحرت النفي على قسمين: منه"ما"، وهو الذي امتنع أن يتقدم عليها ما يعمل في الاسم المجرور. ومنه ما ذلك فيه هو الوجه، نحو: لم ولما ولن ولا وإن، نحو: لم أمر بزيد.
وأما قولهم "إن المفرد إذا وقع بعد رب قد يدل على أكثر من واحد كما يكون ذلك في النفي" فالقلة والكثرة لا تدل عليهما رب بالوضع؛ وإنما ذلك يفهم من سياق الكلام، كما يراد العموم من النكرة في المثبت في نحو قوله تعالى: {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ}، وليس ذلك من مدلول النكرة في الإثبات، كذلك النكرة في رب.