ومن حيث هي حرف جر لابد لها مما تتعلق به. وذهب الأخفش-وتبعه ابن عصفور في بعض تصانيفه-إلى أن الكاف لا تتعلق بشيء، قال ابن عصفور: "جاءني الذي كزيد، ليس للكاف ما تتعلق به ظاهرًا؛ إذ ليس في اللفظ ما يمكن أن يعمل فيه، ولا مضمرًا؛ إذ لا يحذف ما يعمل في المجرور إذا وقع صلة إلا ما يناسب الحرف، نحو: جاءني الذي في الدار، تريد: الذي استقر في الدار؛ لأن (في) للوعاء، والاستقرار مناسب للوعاء، ولو قلت: جاءني الذي في الدار، تريد: الذي ضحك في الدار، أو أكل في الدار- لم يجز؛ لأنه ليس في الكلام ما يدل على ذلك، فلا يمكن أن يكون المحذوف مع الكاف إلا الذي يناسبها، وهو التشبيه. ولو قلت:
جاءني الذي أشبه كزيد-لم يجز؛ لأن أشبه لا تتعدى بالكاف بل بنفسها، وأيضًا فإن العرب لم تلفظ بالشبه ولا بما تصرف منه مع الكاف في موضع أصلًا، فدل ذلك على أن الكاف لا تتعلق بشيء" انتهى.
وما ذهب إليه ليس بصحيح، بل العامل في الكاف مضمر في المثال الذي ذكره، فإذا قلت جاءني الذي كزيد فالعامل فيه مضمر، وهو الكون المطلق، وهو الذي يقدر مع سائر الحروف إذا وقعت أخبارًا وكانت تامة، نحو: زيد كعمرو، وزيد من بني تميم، وزيد على الفرس، والأمر إليك، والمال لزيد، فجميع هذا وأمثاله العامل فيه مضمر، وهو الكون المحذوف المطلق، فإذا قلت زيد كعمرو فتقديره: زيد كائن كعمرو، وكذلك جاءني الذي كزيد، تقديره: جاءني الذي كان كزيد، فإن كان حرف الجر ناقصًا لم يعمل فيه إلا الكون المقيد، ولا يجوز حذفه إلا إن أتى ضرورة، كما أنه لا يثبت الكون المطلق إلا في قليل من الكلام، لو قلت: زيد عنك، تريد: راض عنك، وزيد فيك، تريد: محب فيك-لم يجز.
وقوله ودخولها على ضمير الغائب المجرور قليل قال المصنف في الشرح:
"الكاف من الحروف التي تجر الظاهر وحده كـ (حتى)، واستغنى في الغاية مع المضمر