عمرًا، فالضرب ماضٍ من جهة المعنى، وقد عَمل اسم الفاعل، ولو صَرَّحتَ هنا بالفعل كان مضارعًا. ووقوعُ الماضي ضعيف، فلولا أنهم أرادوا حكاية الحال في هذا الموضع ما كان وجهٌ لوقوع المضارع فيه. وكذلك: جاء زيدٌ واضعًا يدَه على رأسه، لو أتيتَ بالفعل لقلت: جاء زيدٌ يضعُ يدَه على رأسه، فدلَّ على أنهم قصدوا حكاية الحال. ولذلك أعربه النحويون في هذا الكلام حالاً وإن كان المعنى على المضيَّ. فالواو في {وكَلُبهُم بسِطُ} واو الحال، فهو إذًا من المواضع التي يقع فيها المضارع وإن كان ماضيًا من جهة المعنى، تقول: جاء زيدٌ وأبوه يَضحك، ولا يَحسُن: وأبوه ضَحِكَ.
وأمَّا «بالغٍ ديار» فساغ ذلك لأنك لو أتيت مكانه بمضارع لساغَ؛ لأنَّ؛ لأنَّ رُبَّ تَصرف معناه إلى المضيِّ دون لفظه. وخرَّجه ابن طاهر على إضمار فعل، أي: يَبلُغ ديارَ العدوّ.
وإنما يثبت ما قال الكسائيُّ ومَن معه أنْ لو حُكي من كلامهم: هذا ضاربٌ عمرًا أمسِ؛ لأنك لو أتيت منها بالفعل وجب أن يكون ماضيًا، فكنت تقول: هذا ضربَ زيدًا أمسِ، ولا يحسُن: هذا يضرب زيدًا أمسِ. وأمَّا هذا مارُّ بزيدٍ أمسِ فلا حجة فيه؛ لأنه عَمل في المجرور، وليس بمفعول صحيح، والظرف والمجرور يعمل فيهما اللفظ المتحمَّل لمعنى الفعل وإن لم يكن مشتقَّا، فالأَحرى أن يعمل فيه اسم الفاعل بمعنى المضيِّ لأنه مشتقّ.
ومما يُبين فساد هذا المذهب أيضًا تعريف اسم الفاعل الماضي بالإضافة إلى المعرفة؛ ولو كانت إضافتُه مِن نصبٍ لم يتعرَّف، كحاله إذا كان بمعنى الحال أو الاستقبال؛ ومن تعريفه بالإضافة قول الشاعر:
لئن كنتَ قد بُلَّغْتَ عَنِّي خِيانةً ... لَمُبْلِغُكَ الواشي أَغَشُّ ... وأَكْذَبُ