فقلتَ لها: لا تَجزَعي، وتَصَبَّري ... فقالتْ بِحَقِّ: إنَّني منكَ أَصْبَرُ
فقلتُ لها: واللهِ ما قلتُ باطلاً ... وإنِّي بِما قد قُلتِ لي منكِ أَبْصَرُ
ومن علم الكوفيين قال الفراء وأصحابه في إنَّ عبدَ الله لمنكَ أفضَلُ: مستقبَح؛ لأنَّ أفْضَلَ لا يَقوَى على مِن كقوَّة الفعل على المجاز، ومنْ مع أَفْعَلَ موضع المفسِّر الذي موضعه آخر الكلام، فقبُح هذا لإشباهه إنَّ عبدَ الله لَوَجهًا حَسَنٌ. وهذا خَلْفٌ من القول لتقديم المفسِّر الذي موضعه التأخير، وأصله الخفض، وأن يقال فيه: إنَّ عبدَ الله لَحَسَنُ الوجه، فلما أشبهتْ «مِن» ما يأتي مفسَّرًا من النكرات ضعُف مذهب تقديمها، وازداد الكلام اختلالاً /بدخول اللام على ما يشبه حرفًا أصله الخفض والمجيء بعد الخبر.
وقال الفراء: إنَّ عبدَ اللهِ منك لأفضَلُ أَقَلُّ قبحًا من الأول؛ لأنَّ اللام لَمَّا دخلتْ على الخبر حصلتْ في موضعها، وأشبهتْ «مِن» في تقديمها في قيلهم: إنَّ عبدَ اللهِ منك لهاربُ، واستقبحَ: إنَّ منك لأفضلُ عبدَ الله، فإن جُوَّزَتْ على ما فيها من القبح شُبِّهت بإن بالجاريةِ لكفيلاً عبد الله.
وقال الفراء: إنَّ منك عبدَ الله لأفضلُ أَحسَنُ مِنَ التي قبلها لحصول اللام في مكانها المعروف لها.
وقوله ويَلزَم ذلك إن كان المفضولُ اسمَ استفهام مثال ذلك: مِمَّنْ أنتَ خيرٌ؟ ومن أيِّ الناس زيدٌ أفضلُ؟ ومِمَّ قوامُك أَعْدَلُ؟ والإشارة بـ «ذلك» إلى تقدُّم مِن والمفضول على أَفْعَلَ.
وينبغي أن ننبّه على سَبْقه أيضًا ما كان أَفْعَلُ خبرًا له، نحو ما مثًلنا، ونحو: ممَّنْ كان زيدٌ أَفضَلَ؟ ومِمَّنْ ظَنَنتَ زيدًا أَفضَل؟ لئلا يُتَوَهَّمَ أنه يجوز توسُّطهما بين المُخبَر عنه والخبر، فإنه لا يجوز: زيدٌ ممَّن أَفضَلُ؟ ولا: كان زيدٌ ممَّنْ أَفضَلَ؟ ولا: ظَنَنتُ زيدًا مِمَّنْ أَفضَلَ؟