أضْيَعَه لكذا! ومن الثاني قولهم: ما أَنْتَنَه! في لغة من قال أنْتَنَ، وما أَخْطَأَه! وما أَصْوَبَه! وما أَيْسَرَه! وما أَعْدَمَه! وما أَسَنَّه! وما أَوْحَشَ الدارَ! وما أَمْتَعَه! وما أَسْرَفَه! وما أَفْرَطَ جهلَه! وما أَظْلَمَه! وما أَضْوَأَه! فمن نظر إلى مجيء ذلك في النوعين قاس عليه، ومن رآها قليلةً جعلها شاذَّة، ومن فصَّل قال: الذي همزته للنقل لا تدخل عليه همزة نقل، والذي همزته لغير النقل تُحذف، ويؤتى بهمزة النقل، ولذلك يصير الفاعل مفعولاً، نحو: أَظْلَمَ الليلُ، تقول: ما أَظْلَمَ هذا الليلَ!
وقال س: «وبناؤه أبدًا من فَعَلَ وفَعِلَ وفَعُلَ وأَفْعَلَ، فشُبِّه هذا بما ليس من الفعل، نحو لاتَ وما. وإن كان من حَسُنَ وكرُم وأعْطَى» انتهى. فظاهر كلام س هنا أنه يجوز التعجب من أَفْعَلَ. وقد زعم بعضهم أنَّ قول س «وأفْعَلَ» صحَّفه الرواة، وأنَّ أصله وأفْعِلْ، يعني أنه ذكر ما أَفْعَلَه، وأنَّ بناءه من فَعَلَ وفَعِلَ وفَعُلَ، ثم قال «وأفْعِلْ»، وهو معطوف على: ما أَفْعَلَه، أي: من صيغة: ما أفْعَلَه، وأَفْعِلْ. لكن يدفع هذا القول قول س بعده: «وإن كان من حَسُنَ وكَرُمَ وأَعطى».
وقال المصنف في الشرح: «المزيد على وزن أَفْعَلَ لم يُقتصر في صوغ فعل التعجب منه على المسموع، بل يُحكَم فيه بالاطَّراد وقياس ما لم سُسمع منه على ما سُمع ما يمنع مانع آخر. هذا مذهب س والمحققين من أصحابه، ولا فرق بين ما همزته للتعدية كأَعطى، وبين ما همزته لغير التعدية كأَغفى» انتهى. وقوله «ما لم يمنع مانع» احتراز من نحو أَوْدى بمعنى هَلَك، فإنَّ معناه غير قابل للكثرة، ومن نحو أَصبحَ وأَمسى وأَضحى، فإنها نواقص، وشرطُ المتعَّجب منه التمام.
وقال المصنف في الشرح: «ومن تصريح س باطَّراد ما أَعطاه وشبهه قوله في الربع الأخير من كتابه: (هذا باب ما يُستغنَى فيه عن ما أَفْعَلَه بِما أَفْعَلَ