وزعم الفارسيُّ وقومٌ من النحويين أنه لم يُحذف الفاعل في أَفْعِل، بل لمّا حُذف حرف الجر استتر الفاعل في أَفْعِلْ.

ورُدَّ بأنه لو كان مستترًا في أَفْعِلْ لبرز في تثنية وجمع وتأنيث، فقلت: أَسْمِعْ بالزيدَينِ وأَبْصرا! وأَسْمِعْ بالزيديِنَ وأَبْصرُوا! وأَسْمِعْ بهند وأبْصِري! ولأنَّ من الضمائر ما لا يمكن استتاره، نحو ضمير المتكلم، تقول: أكْرِمْ بي! وأَعْزِزْ بنا! فلو حذفت الباء وحدها لقيل: أَكْرِمْتُ! وأَعْزِزْنا! ولم يُقَل، إنما قالوا: أَكْرِمْ! وأَعْزِزْ! فدل ذلك على أنَّ المحذوف هو حرف الجر ومعموله. ويكثر حذف هذا المجرور إذا كان ضميرًا معطوفًا عامله على ما قبله، وحذفُه دون عطف قليل.

وزعم بعض أصحابنا أنه لا يجوز الاقتصار على الاسم بعدها إلا في باب العاملَين، نحو: ما أَحْسَنَ وأَجْمَلَ زيدًا. ويعني أنَّ كل فعل منها يطلب مفعولاً، فلا يجوز أن يُقتصر على اسم واحد إلا في باب التنازع. قال: «على خلاف فيه».

وقوله ورُبَّمَا أُكَّدَ أَفْعِلْ بالنون تقدَّم له ذكر هذه المسألة في أول الكتاب عند شرحه قوله «ونونِ التوكيد الشائع». وفي قوله ورُبَّما دليل على قلة نحو: أَحْسِنَنَّ

بزيدٍ. وقال المصنف هنا في الشرح: «ولشبه أَفْعِلْ بفعل الأمر جاز أن يؤكَّد بالنون، كقول الشاعر:

ومُسْتَبْدل من بَعد غَضْبَى صُرَيْمةً ... فَأَحْر به بطُول فقرٍ، وأَحْرِيَا

وهذا من إلحاق شيء بشيء لمجرد شبه لفظي، وهو نظير تركيب النكرة مع لا الزائدة لشيهها بـ (لا) النافية للجنس، ونظير زيادة أنْ بعد (ما) الموصولة لشبهها بـ (ما) النافية».

طور بواسطة نورين ميديا © 2015