أي: ما أَبْعَد دارَ مرتحلٍ مزارًا! وما أجْدَرَ مِثلَ ذلك! وأيضًا فإنه لا تُعهد صيغة أمر ترفع الاسم الظاهر وإن كان خبرًا في المعنى دون لام الأمر؛ ألا ترى إلى قوله (فليمدد له الرحمن مد} كيف هو أمرٌ صيغة خبرٌ في المعنى، ولما رَفع الظاهر كانت فيه لام الأمر.
وقد تأوَّلَ هذين البيتين مَن ذهب إلى أنَّ المجرور ليس في موضع نصب بأنَّ قوله «فأَبْعِدْ دارَ مُرتَحِلٍ» يمكن أن يكون «أَبْعدْ» فيه دعاءً؛ على معنى: أَبعَدَ الله دارَ مُرتَحِلٍ عن مزارِ محبوبه، كأنه يُحَرِّض نفسه على الإقامة في منْزل طُروق ليلى؛ لأنه صار بطروقها مَزارًا.
وبأنَّ «فأَجْدِرْ» أمرٌ عارٍ من التعجب، أي: اجْعَلْ مِثلَ ذلك جديرًا، وأَجْدِرْ به! أي: اجعلْه جديرًا بأن يكون، أى: حقيقًا بالكون، يقال: /جدُرَ بكذا جدارةً،
أي: صار جديرًا به، وأَجدَرتُه به، أي: جعلتُه جديرًا به، أي: حقيقًا. وأنه تعجُّب، ومثلَ في موضع رفع، وهو مبنيّ لإضافته إلى مبنيّ، نحو قوله {أنه لحق مثل ما أنكم تنطقون} في قراءة مَن فتح اللام.
وقال المصنف في الشرح حيث اختار أَن فاعل أَفْعِلْ هو المجرور بالباء: «إنه لو اضطر شاعر فحذفها لرفع الاسم، وإنَّ الباء زيدت في الفاعل كما زيدت
في فاعل كفى، إلا أنه بينهما فرق من وجهين: أحدهما أنه يجوز حذف الباء قي فاعل كفى فصيحًا، ويرتفع الاسم. والثاني أنَّ كفى قد يُسند إلى غير المجرور بالباء، فيكون هو في موضع نصب، نحو قوله: