وقد تُؤُوَّلَ «مِن حَيِّ تَهام» على أنَّ «مِن» فيه مبعَّضة، فليس بتمييز، فكأنه
قال: نِعمَ الحيُّ كائنًا مِن بعضِ الحيِّ التِّهاميّ، أي: فَخِذًا منه. وأمَّا «إذا» فالعامل
فيها نِعمَ.
ويحتمل أن يكون في نِعمَ ضمير، ومِن فتًى: تفسير لذلك الضمير، والفتي هو
المخصوص، وأنتَ بدل منه، وليس هو الفاعل، والتقدير: نِعمَ مِن فًتى الفتى أنتَ،
أي: نِعمَ مِن فًتى أنتَ. وقال بعض شيوخنا: «يجوز قليلاً على جهة التوكيد،
حكي: نِعْمَ القتيلُ قتيلاً أصلحَ الله به بين فئتين».
وتلخَّص لنا في هذه المسألة ثلاثة مذاهب: المنع، والجواز، والتفصيل بين أن
يزيد معنًى على الفاعل فيجوز، أوْ لا فلا.
ومِن أحكام هذا التمييز أنه لا تدخل عليه «مِن» إلا في ضرورة شعر، نحو:
مِن حَيُّ تَهام، ومِن فتًى، فلا يجوز في الكلام: نِعمَ من رجلٍ زيدٌ.
وقوله ولا يمتنع عندهما إسناد نِعمَ وبئسَ إلى «الذي» الجنسية ذكر
المصنف في الشرح أنَّ ظاهر قول الأخفش أنه [لا] يجيز: نِعمَ الذي يفعل
زيدٌ، ولا يجيز: نِعمَ مَن يفعلُ زيدٌ، قال: «ولا بنبغي أن يُمنع؛ لأنَّ (الذي يفعل)
بمْنزلة (الفاعل)، ولذلك اطَّرد الوصف به، ومقتضى النظر الصحيح ألاَّ يجوز
مطلقًا، ولا يُمنع مطلقًا، بل إذا قُصد به الجنس جاز، وإذا قُصد به العهد مُنِع»
انتهى. فأجاز أبو العباس والفارسي أن تقول: نِعمَ الذي بُعث بالرسالة محمدُ - صلى الله عليه وسلم -، كما يقال: نِعمَ المبعوثُ بالرسالة محمدُ - صلى الله عليه وسلم -