وذهب الكسائي إلى أنَّ قولك نِعمَ الرجلُ وبئسَ الرجلُ اسمان محكيَّان بمنْزلة: تأبَّطَ شرَّا، وبَرَقَ نَحرُه، فـ «نِعمَ الرجلُ» عنده اسم للممدوح، و «بئسَ الرجلُ» اسم للمذموم، وهما جملتان في الأصل، نُقلا عن أصلهما، وسُمَّي بهما.
وذهب الفراء إلى أنَّ الأصل في نِعمَ الرجلُ زيدٌ، وبئسَ الرجلُ عمرٌو: رجلٌ نعمَ الرجلُ زيدٌ، ورجلٌ بئسَ الرجلُ عمرٌو، فحُذف الموصوف الذي هو «رجل»، وأقيمت الصفة التي هي الجملة من نِعمَ وبئسَ وفاعلهما مقامه، فحُكم لهما بحكمه، فنِعمَ الرجلُ، وبئس الرجلُ ـــ عندهما ـــ رافعان لزيد وعمرو، كما أنك لو قلت: ممدوحٌ زيدٌ، ومذمومٌ عمرٌو ـــ لكان زيد مرفوعًا بممدوح، وعمرو مرفوعًا بمذموم.
وقد رُدَّ مذهب الكسائي والفراء بأنه لو كان محكومًا لهما بحكم الأسماء لوقعا في مواضعها في فصيح الكلام، فكنت تقول: إنَّ نِعمَ الرجلُ قائمٌ، وإنَّ بئسَ الرجلُ منطلقٌ، وظننت نِعمَ الرجلُ قائمًا، وظننتُ بئسَ الرجلُ منطلقًا، وكان نعمَ الرجلُ منطلقًا، وكان بئسَ الرجلُ ضاحكًا، فلمَّا لم يُسمع ذلك في فصيح الكلام دلَّ على بطلان ما ذهبا إليه.
وقد يجاب عن ذلك بأنهما لَمَّا خَرجا عن أصلهما: إمَّا بكونهما صارا اسمين محكيين، أو صارا خلفًا من موصوف لم يُنطق بموصوفهما ــ التُزم فيهما طريقة واحدة في باب المبتدأ والخبر. فلم يُتصرَّف فيهما بالنواسخ لذلك، كما التُزم في بعض المبتدآت الرفع بالابتداء، فلم يتصرَّف فيه بدخول النواسخ عليه، نحو «ايْمُن» في القسم، ونولُك أن تفعل.
وقال صاحب البسيط فيه: «القائلون بأنَّ نِعمَ وبئسَ اسمان فما بعدهما مما هو فاعل عندنا ينبغي أن يكون تابعًا عندهم لنِعمَ إمّا بدلاً أو عطفًا، ونِعمَ اسم يراد به