وللأخفش أن يقول: الفرق بينهما أنَّ خمسةَ عشرَ وأمثاله كانت قبل التركيب منوَّنة جزآها، وبعد التركيب حكمها حكم المنوَّن، بخلاف كم فإنه ليس فيها تنوين لا في الأصل ولا في التقدير.
وزعم السيرافي وأبو علي الدِّينَوَريّ /أنَّ السبب في ذلك أنهم أرادوا أن يجعلوا الفصل عوضًا من التمكين الذي سُلبته. وعنى بالتمكن الإعراب، قال ... 2:
«وذلك أنها مستحقة للإعراب بحق الأصالة لأنها اسم، فمُنعت ذلك لعارِض عَرض
فيها، فجُعل هذا التصرف عوضًا عن ذلك».
واعتُرض عليه بخمسةَ عشرَ وبابه. فاعتذر بأن «كم» خَرجت عن التمكين
أكثر من خروج الأعداد المركَّبة من حيثُ بناؤها على السكون، وتلك الأعداد مبنَّية على حركة. وأيضًا فـ (كم) كُثر استعمالهم لها لأنها تُستعمل في كل مستفهَم عنه
من المقدار، وما يَكثر استعماله يَكثر تصرُّفهم.
قال بعض أصحابنا: «وما ذهب إليه أقيس؛ لأن العِوض فيه من جنس المعرَّض منه، أعني أنك عوَّضت تصُّرفًا من تصرُّف، وليس الإعراب من جنس التصرف
بالتقديم والتأخير» انتهى.
وهذه كلها علل تسوَّد الأوراق، وليس تحتها طائل، وهي من العلل التي نحن ننكرها.
وهذا الفصل يكثر بالظرف والمجرور، وقد يُفصل بالخبر، نحو: كم قد أتاني
رجلاً. وبعاملها نحو: كم ضربتَ رجلاً. وإذا فصلتَ جاز دخول مِن على التفسير
لُبعده عنها بالفصل، ويَقبح دونه لأنَّ من إنما تكون مع الجمع.