وزعم ثعلب أنه إنما جاز ذلك في المنصوب أن تجعله في آخر كلامك لأنه
ليس مما يُسأل عنه، لأنك إذا قلت: كم ماُلك؟ فـ «كم» سؤال عن العدد، والمال
مسؤول عن عدده، وقولك «درهما» إنما هو شيء تصنعه من قِبلك ليُعلم أنك
إنما سألتَ عن عدد المال لتميِّزه به، ولو لم تذكره به لم يَعلم المسؤول ما يميِّز مالَه
لك به؛ لأنه قد يكون له أموال مختلفة، فإذا قلت: كم ماُلك درهمًا؟ عُلم أنك إنما تريد
الدراهم، وأنَّ عنايتك بها، وأنك إنما سألتَ عن المال من أجلها، فأنت محتاج إليه
في تعريفه إياك العدد، وهو محتاج فيما سألتَه إلي معرفة النوع الذي تمِّيز له به العدد، فلذلك وُضع مخرجًا عن الجملة.
قال ابن عصفور: «وهذا الذي ذكره عندي حسن جدَّا. فإن قيل: فلأيِّ
شيء كان الأكثر في الكلام أن يتصل تمييز «كم» بها؟ فالجواب أن تقول: إنَّ
السبب في ذلك كونها عاملة فيه، وهي من العوامل الضعاف، فكان الأحسن في
ذلك ألاَّ يُفصَل بينهما، ومن فصل راعى المعنى الذي ذكره ثعلب» انتهى.
وزعم الأخفش الصغير أنهم جعلوا ذلك الذي يقع به الفصل يقوم لـ «كم»
مقام التنوين، فلذلك حسُن الفصل به في «كم» ولم يَحسُن في عشرين وأمثاله.
ويعني أن الاسم الذي ينتصب تمييزه إنما ينبغي أن يكون منوَّنًا، فجعلوا ذلك الفصل
كأنه عوض من التنوين في اللفظ، وكأنهم لم يكتفوا بنيَّة التنوين فيه.
قال ابن عصفور: «وهذا التعليل فاسد؛ لأنَّ العرب لم تَرع ذلك، بدليل
أنهم لم يُجيزوا الفصل في خمسةَ عشرَ وأمثاله في فصيح الكلام مع أنه غير منوَّن» انتهى.