وقد تكون دلالتها علي المكان مجازية، ولا يراد بها حقيقة الجهة، كقوله تعالي {أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ}، وقوله {ويَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنفَعُهُمْ ولا يَضُرُّهُمْ}، فدلالته في هذا ونحوه علي المكان هو علي سبيل المجاز.
وأما قولهم "الموت دون بلوغ كذا" بمعني أن الموت يحول بينه وبين كذا يجتمعا فمجازه أن مكان الموت منخفض عن مكان بلوغ كذا، وإذا كان منخفضاً عنه لم يجمعنا؛ إذ كل منهما في مكان فير مكان الآخر، وإذا لم يجتمعا وقعت الحيلولة.
وقد يتجوز بـ"دون"، فيصير كالوصف للأفعال، ولا يكاد يلحظ فيه المكان، فيقول: ضربت زيدًا دون عمرو، وأعطيته دون خالد، والمعني أنه ضرب زيدًا ضربًا دون ضرب عمرو، وأعطاه إعطاء خالد، كأن ضرب زيد منخفض، أي: أقل من ضرب عمرو، وكان إعطاءه منخفض وأقل من إعطاء خالد. وأما ما يتبادر إلي أفهام بعض الناس أنك إذا قلت ضربت زيدًا دون عمرو فمعناه أن الضرب حل بزيد دون عمرو- فليس بمفهوم عربي، ولهذا المفهوم زعم بعض الفقهاء أنه إذا قال القائل.