والحكم على هذه القراءة بأنها لحن ضعيف جداً؛ لأنها قراءة تلقفتها الأمة بالقبول لتواترها، وتقدير الفراء والمازني في غاية من الضعف، وقد لاح لي تخريجها على قواعد العربية، والحمد لله، فنقول: (إن) على حالها من كونها حرف توكيد ينصب الاسم ويرفع الخبر، و (كلا) أسمها، و (لما) هنا حرف جزم حذف فعله لدلالة الكلام عليه، والتقدير: وإن كلا لما يهمل، أو لما يترك سدى، وما أشبه هذا من التقدير، و (ليوفينهم) جواب قسم محذوف، والكلام يدل على هذا الفعل المحذوف بعد لما، وهذا جائز فصيح- أعني حذف المضارع المجزوم بعد لما لدلالة المعنى عليه- وذلك نحو قولهم: قاربت المدينة ولما، بخلاف حذفه بعد لم، فإنه لا يجوز إلا في ضرورة الشعر، وإذا كان الفعل بعد لما يجوز حذفه لدلالة الكلام عليه وضح تخريج هذه الآية عليه، ولم أر أحداً تنبه لهذا التخريج الذي خرجناه، إلا أني بعد هذا وصلت في تفسيري للقرآن في كتابي المسمى بـ «البحر المحيط» إلى هذه الآية، فرأيت/ [4: 83/أ] شيخنا مصنف كتاب «التحرير والتحبير» جمال الدين محمد بن سليمان بن حسن المقدسي- عرف بابن النقيب- حكي عن أبي عمرو بن الحاجب تخريج لما على نحو الذي خرجناه.
وأما «دون» فقد تقدم ذكرها في ظروف المكان، فإذا قلت «قعد زيد دون عمرو» فالمعنى أن قعود زيد في مكان منخفض عن مكان قعود عمرو، وكذلك «زيد دون عمرو» معناه: المكان الذي فيه زيد ومنخفض عن المكان الذي فيه عمرو، هذه حقيقة هذه اللفظة.
وقد يطلقون ذلك على المرتبة والمكانة، لكنه مجاز، فيقولون: زيد دون عمرو، يعنون في الشرف لا في المكان.