وهذا التقدير الذي قدره في البدل - وهو: أعطيت إلا عمرًا دانقًا - لا يؤدي إلى أن حرف الاستثناء يُستثنى به واحد، بل هو في هذه الحالة التقديرية ليس ببدل، إنما نصبهما على أنهما مفعولًا أعطيت، وأعطيت المقدرة لا تتوقف على وساطة إلا؛ لأنه استثناء مفرغ، فلو أسقطت إلا، فقلت: ما أعطيت عمرًا درهمًا - جاز علمها في الاسمين، بخلاف عمل العامل في المستثنى الواقع بعد إلا، فهو متوقف على وساطتها.
وذهب الزجاج إلى أن البدل هنا ضعيف، قال: لأنه لا يجوز بدل اسمين / [4: 51/ ب] من اسمين، لو قلت: ضرب زيدٌ المرأة أخوك هندًا، لم يجز، وإنما جاز هنا تشبيهًا لأداة الاستثناء بحرف العطف، فكما يجوز: ضرب عمروٌ وزيدًا وبكرٌ سعدًا كذلك جاز هذا، إلا أنه ضعيف؛ لأن المشبه بالشيء لا يقوى قوة المشبه به.
والسماع على خلاف مذهب الزجاج، وهو أنه يجوز إبدال اسمين من اسمين مع عدم إلا، قال الشاعر:
فلما قرعنا النبع بالنبع بعضه ببعضٍ أبت عيدانه أ، تكسرا
فقوله بعضه بدل من النبع، وببعض بدل من بالنبع.
وأما قول الشاعر:
وليس مُجيرًا إن أتى الحي خائفٌ ولا قائلًا إلا هو المتعيبا