وقد سلم ابن الضائع له أنها نصوص، وادعى أنه يقترن بها ما يزيلها عن النصية، وهذا أمر مدركه اللغة، ولا يكاد يوجد استثناء من عدد في شيء من كلام العرب إلا في الآية الكريمة لما كانت الألف مما يكثر به؛ وقد طالعت كثيرًا من دواوين العرب جاهليها / [4: 30/ أ] وإسلاميها فلم أقف فيه على استثناء من عدد؛ وأول ما رد به ابن الضائع هو من باب الجدال والمغالطة، ليس فيه شيء من التحقيق، وقوله "ما من عدد إلا يُتصور فيه التكثير" إلى آخره دعوى، لا يكثر بأربعة عشر ولا بسبعة لا بما أشبهها، إنما يكثر بما كثرت به العرب.

وأما قوله "وهذا موجود في الفطر السليمة" فلا يسلم له ذلك؛ لأن اللغة ليست توجد من الفطر ولا من الذوق، بل هي تراكيب، وضعها أهلها، ولذلك نجد الفطر متساوية في نسب، ثم يختلف التركيب في تلك النسب بالتقديم والتأخير والحذف والإثبات وغير ذلك.

وأما قوله "ثم النحويون مجمعون" كيف ينقل الإجماع والخلاف موجود، هذا عجب!

وقال ابن عصفور: "فإن قال قائل: ما المانع من أن يقال: جاءني إخوتك العشرة إلا تسعةً منهم، وعندي عشرة إلا واحدًا، على أن يكون المخبر قد توهم أولًا أن الإخوة العشرة جاءوه، وأن العشرة عنده، ثم تذكر بعد ذلك أن الذي جاءه إنما هو واحد الإخوة، وأن الذي عنده هو تسعة، فاستثنى من الإخوة الذي تحقق أنه لم يجئه، ومن العشرة الذي تحقق أنه ليس عنده.

فالجواب: أن العرب إنما تستعمل في هذا المعنى بل، فتقول: جاءني إخوتك العشرة بل واحد منهم، وعندي عشرة بل تسعة، ولا يُحفظ من كلامهم استعمال إلا في هذا المعنى، فإن وُجد من كلامهم استعمالها في هذا المعنى ساغ ذلك" انتهى. وأحال في جواز ذلك على استعمال العرب، وهو الصحيح.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015