"إن قيل: كيف نصبوا ميلاً وفرسخًا على الظرف والفعل لا يتضمنه كما يتضمن ما هو الوصف له؟ وكيف ثنوا الميل وجمعوه دون غيره من ظروف المكان؟ ولم لا ينخفض بفي, فيقال: سرت في ميل, كجلست في مكان؟

فالجواب: إن الميل ليس بظرف؛ ألا ترى أنه ليس كالجهات الست المضافة؛ لأن الجهة/ [3: 192/ أ] لا معنى لها إلا بإضافتها إلى من هي له, والميل لا يضاف, ولا معنى لإضافته شيء, والظرف مقدر بقي, وقد يصرح بها في المتمكن, والميل لا يقدر بفي, ولو قدر بفي لجاز إظهارها لأنه متمكن, يكون فاعلاً ومبتدأ, ويثنى, ويجمع, فما المانع من سرت في ميلٍ لو كان ظرفًا؟

وأيضًا فالظرف يعمل فيه كل فعل ناصب له, والميل لا يعمل فيه إلا ما كان في معنى المشي والحركة, لا تقول: رقدت ميلاً, ولا: قعدت ميلاً, فدل هذا كله على أنه من باب المصادر لا من باب الظروف, وإنما هو اسم لخطًا معدودة, فكما تقول: سرت خطوة وخطًا, ولا يكون هذا ظرفًا, إنما هو مصدر- فكذلك سرت ألف خطوة, أو ثلاثة آلاف ذراع, فالميل والفرسخ عبارة عن هذه الأعداد من الخطأ, كما أن القنطار عبارة عن أعداد كبيرة من الدراهم أو غيرها, فكما أقول: قبضت درهمًا, وقبضت قنطارًا, ولا يختلف الإعراب- فكذا ينبغي ألا يختلف إذا قلت: مشيت خطوة أو خطوتين, ومشيت ميلاً أو ميلين, ومحال أن يقع ظرفًا إذا كثر, ومصدرًا إذا قل, بل ينبغي إلا يختلف الإعراب كما لم يختلف المعنى.

وسمي هذا القدر من الخطأ ميلاً لأنهم كانوا ينصبون على الطرق أميالاً كانوا بها مقادير الخطأ التي مشوها؛ فيجعلون على رأس كل ثلاثة آلاف ذراع بناء كهيئة الميل, يكتبون فيه العدد مما مشوه, أنشد أبو عبيد:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015