وذهب غيره إلى أنها داخلة تحت حد المبهم, وهو ظاهر كلام الفارسي. قال بعض أصحابنا: "وهو الصحيح؛ لأنه إنما يرجع تقديرها إلى الباع؛ ألا ترى أن الغلوة مئة باع, والميل عشر غلاء, والفرسخ ثلاثة أميال, والبريد أربعة فراسخ, والباع لا ينضبط إلا بتقريب؛ لأنه يزيد وينقص, ويلزم من ذلك أن تكون هذه المقدرات غير محققة النهاية والحدود, بل تحديدها على جهة التقريب. ويبين أنها لا تكون محصورة كحصر الدار والمسجد أن هذين لهما حدود محصورة, ما زاد عليهما غير داخل فيهما, وهذه المسافات ليست كذلك, بل تحتمل الزيادة والنقص. وأيضًا فإن كانت معلومة القدر على جهة التقريب كما ذكرنا فإنها مجهولة العين, بخلاف الدار والمسجد وأشباههما من الظروف المختصة, فإنها معلومة العين والقدر" انتهى.
وقال س: "ويتعدى إلى ما كان وقتًا في الأمكنة كما يتعدى إلى ما كان وقتًا في الأزمنة؛ لأن وقت يقع في المكان, لا يخت به مكان واحد, كما أن ذلك وقت في الأزمان, لا يختص به زمن بعينه". ثم قال: "وذلك قولك: ذهبت فرسخين وسرت ميلين, كما تقول: ذهبت الشهرين, وسرت الميلين" انتهى. فمن حيث التوقيت ظاهره أنه مختص, ومن حيث قوله "لا يختص به مكان" ظاهره الإبهام. والصحيح أنه شبيه بالمبهم, ولذلك وصل إليه الفعل بنفسه.
وما ذهب إليه المصنف من أن هذا المقدر ينصبه الفعل نصب ظرف المكان هو قول النحويين إلا السهيلي, فإنه زعم أن انتصاب هذا النوع انتصاب المصادر لا انتصاب الظروف, قال السهيلي: