فجعلت بمعنى صيرت، أي: صيرت عقوبتك عزلتك، فهي كجعلت الطين خزفًا، أي: صيرته، فلو عكس لانعكس المعنى. وكذلك "فكان مُضلي من هديت برُشده" المعنى ألزم أن يكون الثاني الخبر" انتهى.

وأيضًا فإن ابن الطراوة قال: "إذا كان المعرفتان لا يظهر فيهما إعراب فالثاني هو الخبر"، وقوله: "فكان مُضلي من هديت برُشده" لا يظهر في "مُضلي" إعراب لأنه مضاف إلى ياء المتكلم، ولا في "من" لأنه مبني، فتعين أن يكون "من" هو الخبر من حيث المعنى ومن حيث هذا الذي قرر.

ومن تمام اجتماع المعرفتين أن تعلم أن ضمير النكرة - وإن كان معرفة - فإنه في باب الإخبار يعامل معاملة النكرة إذا اجتمعت مع المعرفة؛ لأن تعريفه إنما هو لفظي من حيث عُلم على من يعود، نحو: لقيت رجلًا فضربته، أما أن يُعلم من هو في نفسه فلا، فالإخبار عن ضمير النكرة بالمعرفة بابه الشعر، نحو قوله:

/ أسكران كان ابن المراغة إذ هجا تميمًا بجوف الشام أم مُتساكر

ففي "كان" ضمير "سكران"، وهو نكرة، وقد أخبر عنه بابن المراغة، وهو معرفة، والجائز في الكلام: أسكران كان ابن المراغة، بنصب "سكران" خبرًا، ورفع "ابن المراغة" اسمًا. وقال الآخر:

ألا من مُبلغ حسان عني أسحر كان طبك أم جنون

طور بواسطة نورين ميديا © 2015